للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[آفة العلم عدم الاستفادة منه في عمل الآخرة]

أما هؤلاء الذين صعدوا إلى القمر وصنعوا المركبات الفضائية واكتشفوا الجاذبية الأرضية واكتشفوا المصباح الكهربائي والتلفون والتلكس وهذه الأشياء كلها، الواحد منهم لو مات على كفره لا يساوي عند الله جناح بعوضة، يُذكر في الأرض كلها وهو من أهل النار، إذا مدحه جميع الخلق وكان من أهل النار ما يفيده مدح هؤلاء؛ لذلك فالعلم الذي يوصلك إلى الله تبارك وتعالى هو العلم، لو قابلت وجه ربك تبارك وتعالى وأنت تعلم الطريق إليه وصححت هذا الطريق بالعلم، وجهلت كل مناحي الحياة ما خسرت شيئاً، ولذلك النبي عليه الصلاة والسلام قال: (من يرد الله به خيراً يفقه في الدين).

فمن هداية العلم أنك تبصر موضع قدمك؛ لذلك كان عذاب الذي يؤتيه الله العلم فيصير به كالجاهل يخبط عذاباً أليماً؛ لأنه لم يستعمل أجل نعم الله على الخلق، كما قال القائل: كفى بالعلم شرفاً أن يدعيه من ليس من أهله، وكفى بالجهل عيباً أن يتبرأ منه من هو فيه.

لو مدحت أي إنسان بأنه عالم وفقيه ينتشي ويغتبط، بخلاف ما إذا وصفته بالجهل، فإنه لا يقبل مع أنه جاهل، لكنه لا يقبل، فكفى بالعلم شرفاً أن يدعيه من ليس منه أهله وكفى بالجهل ذلاً وعيباً أن يتنصل منه من هو فيه.

فالذي يعطيه الله تبارك وتعالى هذه الآلة وهذه النعمة ولا يستعملها يعذب عذاباً أليماً، كما في البخاري: (يؤتى بالعالم يوم القيامة، فيلقى في النار، فتندلق أقتابه من دبره -يعني: أمعاءه- فيدور حولها كحمار الرحى، فيقول له أهل النار: يا فلان! أما كنت تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر؟ -في الدنيا-، قال: نعم، كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه، وأنهاكم عن المنكر وآتيه).

فمن يعطيه الله عز وجل أجل النعم؛ -وهو العلم- ولا يستعمله في حقه فهذا عقابه (تندلق أقتابه من دبره، فيدور حولها كحمار الرحى، فيقول له أهل النار: يا فلان! ألم تكن تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر؟ قال: كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه، وأنهاكم عن المنكر وآتيه).

لذلك قال الله عز وجل: {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف:٣] كبر مقتاً: أي هذا من أعظم المقت عند الله تبارك وتعالى، كما قال تبارك وتعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ} [البقرة:٤٤]، وفي الحديث الحسن المرفوع: (مثل الذي يأمر الناس بالمعروف ولا يأتمر به كمثل السراج يضيء للناس ويحرق نفسه) وهذا من أجمل التشبيهات وأقواها.

فالذي يقدم المعروف ولا يتأسى به كمثل الشمعة أو السراج يضيء للناس الطريق لكنه يحرق نفسه وهو لا يدري، فالذي يؤتيه الله تبارك وتعالى العلم ثم يرزقه العمل بهذا العلم هو الذي يستحق الحسد، وهذا قيد مهم، ورد فيه قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها الناس) أي: يعمل بها، وفي نفس الوقت يعلمها الناس.