للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[اعتبار الصحيحين أصح كتابين بعد كتاب الله لا ينفي وجود أحاديث ضعيفة فيها]

السؤال

تلقت الأمة الصحيحين بالقبول، فماذا يقال لمن ادعى أنهما يحويان أحاديث ضعيفة؟

الجواب

أما عامة الناس فلا أظن أن لهم شغلاً في هذا الفن، وإذا قصد أن بعض المتخصصين أو من لهم أهلية تكلموا في بعض أحاديث الصحيحين؛ فيناقش كل إنسان تكلم، يعني: المسألة تكون مسألة علمية؛ لأنه ليس هناك من ادعى العصمة لكتاب البخاري ومسلم بحيث أنه لا يناقش في لفظة من ألفاظ الكتاب، ما قال بهذا أحد والحمد لله، ومن قال به فهو غالٍ، لكن ينظر في دعوى المدعي، فمثلاً: إذا كانت الدعوى قوية لاسيما وأن هذا المتأخر كان مسبوقاً إليها، ومع ذلك فنحن لا نفتح الباب لكل من يريد الكلام في الصحيحين، فكلام الجهلاء غير مقبول، وإنما كلامنا الآن في أهل الفن، الذين هم أصحاب القواعد وأولى الناس بالكلام في الصحيح والضعيف، فحينئذٍ ننظر إلى ما جاءوا به، فإن كانت أشياء غير مقبولة رددناها، مثلما فعلنا في حديث ابن عباس في صحيح مسلم لما قال أبو سفيان للنبي عليه الصلاة والسلام: يا رسول الله أعطني ثلاثاً؟ قال: نعم، فكان منها: (وأن أزوجك أم حبيبة أجمل العرب) فتكلم العلماء وقال الذهبي: إن هذا منكر، لماذا؟ لأن أم حبيبة تزوجت النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يسلم أبو سفيان بدهر، حتى ثبت أنها طوت البساط من تحته وما تركته يجلس على بساط النبي صلى الله عليه وسلم، فكيف يقول: (أزوجك أم حبيبة)، فالعلماء أجابوا بعدة وجوه واستضعف هذه الأوجه كلها ابن القيم.

لكن إذا اتهم على هذه الجزئية بنكارة لمخالفتها ما هو معلوم في السيرة بالاطراد وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها قبل إسلام أبي سفيان فإنما نحكم على هذه الجزئية دون غيرها، هذا إذا لم نستطع أن نأتي بوجهٍ غير مقبولٍ من وجوه الجمع، وإلا فالأصل إن استطعنا أن نجمع ما بين هذا وما بين الروايات الأخرى التي ظاهرها التناكر بوجه من وجوه الجمع المعتبرة؛ فهذا الذي يشار إليه، ولا ينبغي أن يصل إلى الترجيح إلا مع تعذر الجمع أو استحالته.