للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[محاولة قتل الغلام بقذفه من الجبل]

فقال لجنوده: خذوه إلى قمة أعلى جبل، فإن تاب وإلا اقذفوه من أعلى الجبل.

المساومة إلى آخر الطريق، (إن تاب وإلا) يعني: المفروض أن يحاولوا معه أن يرجع عن دينه ويساوموه، لماذا؟ لأن الملك يحتاج إليه، فالساحر شارف على الموت، فالملك إنما قتل الراهب وجليسه؛ لأنه لا يستفيد منهما؛ بخلاف الغلام.

وعندما وصلوا إلى قمة الجبل، قال: رب اكفنيهم بما شئت.

وذكرت هنا كلمةٍ لـ ابن الجوزي رحمه الله، يقول فيها: (رب لا تعذبني حتى لا يقولوا عذب من دل عليه).

قال: رب اكفنيهم بما شئت -صدق رجائه بالله أتى بالثمرة- فتحرك بهم الجبل فسقطوا، وثبت الله قدميه.

كلما صدق رجاؤك بالله أتى بثمرة، فأخلص دينك لله يكفيك العمل القليل، الله سبحانه وتعالى ينظر إلى قلبك، ويؤاخذك على ما كسب قلبك، فإذا انفعلت الجوارح بعد ذلك بعمل القلب يحاسب العبد: إن كان خيراً فخير، وإن شراً فشر؛ لكن القلب هو الأصل.

وانظر إلى مثال آخر يظهر فيه صدق الرجاء أكثر، وهي قصة جريج العابد، والقصة صحيحة: أن النبي عليه الصلاة والسلام، قال: تحدث بنو إسرائيل عن عبادة جريج، وهذا الرجل كان عابداً، اعتزل الناس وبنى له صومعة في خارج البلد، وحتى يجتنب الناس لم يصنع لهذه الصومعة سلماً، وكان يصعد إليها بالحبل ويسحب الحبل؛ لكي لا يأتي عليه أي مخلوق فيقطع عليه خلوته.

وكانت له أم تشتاق إليه، فجاءت في يوم فقالت: يا جريج! أجبني، ووضعت يدها على حاجبها -قال أبو هريرة: فكأني أرى النبي صلى الله عليه وسلم يضع يده على حاجبه- فصادفته وهو يصلي، فقال: رب! أمي وصلاتي، أمي وصلاتي -يعني أقطع صلاتي وأجيب أمي أم أكمل صلاتي وأتركها؟ - فاختار صلاته.

فانصرفت الأم، وفي اليوم الثاني جاءته وقالت له: يا جريج! أجبني، يا جريج! أجبني.

قال: يا رب أمي وصلاتي، أمي وصلاتي.

فاختار صلاته، فتركته وانصرفت، وفي اليوم الثالث جاءته وقالت: يا جريج أجبني، يا جريج أجبني فلم يجبها، فدعت عليه ألا يموت حتى يرى وجوه المومسات.

وأصبح الناس يتكلمون ويتعجبون من فعل جريج! ويقولون: ما هذا الصبر على الصلاة واعتزال الناس! حتى إنه لا ينظر إلى النساء ولا يرغب بزواج فقالت امرأة: أنا أستطيع أن أفتنه.

فقالوا: أحقاً تستطيعين؟ فقالت: نعم.

فقالوا لها: افعلي ذلك.

فذهبت للصومعة تريد أن تصعد إليه، فوجدت أن جريجاً أخذ الحبل معه، ولا أحد يستطيع أن يصعد إليه، فمكنت راعي الغنم الذي كان يأوي إلى ظل الصومعة من نفسها، فحملت، وكانت حين تسأل تقول: هذا ابن جريج، والناس يقولون: هل يعقل أن جريجاً فعل هذه الفاحشة؟! حسناً: اصبري حتى تضعيه ونحن سنريه، فوضعت المرأة، فذهبوا إلى الصومعة وبدءوا في هدمها، وإذا بـ جريج يحس بالضرب في الصومعة، فينظر فإذا هم يهدون صومعته، قال لهم: على رسلكم.

فقالوا: انزل يا فاجر، فمد الحبل ونزل، فأمسكوا به وضربوه وكتفوه، وقالوا: ويحك يا جريج! كنا نظنك أعبدنا! فعلت وفعلت! وأخذوه لحاكم القرية -ذكر في شرح القصة أن المرأة الزانية بنت حاكم القرية-.

المهم: أخذوه، والكل يتفرج، والمومسات هنا وهناك، فضحك، فقالوا: لماذا تضحك؟ وهل هذا موقف يضحك المرء فيه؟! قال: أدركتني دعوة أمي.

فأخذوه إلى حاكم القرية، فقال له: ما هذا يا جريج؟! كيف فعلت ذلك، لنقيمن عليك الحد.

وترك المرأة! كيف يقيم الحد عليه ويترك المرأة؟ لأنهم يهود، وهذه أخلاقهم.

فضحهم الله عز وجل في القرآن من أوله إلى آخره، ولكن الأمة الإسلامية عميت، كيف عميت عن الأوصاف الموجودة لليهود في القرآن؟! القرآن عربي مبين، واضح كالشمس، لا يحتاج إلى ترجمة، كل يوم تظهر صفاتهم التي ذكرها الله عز وجل في القرآن، والدعاة إلى الله عز وجل ما غيروا رأيهم في اليهود أبداً؛ لأنهم يجدونها مبينة في القرآن.

فلما أرادوا أن يقيموا عليه الحد، قال لهم: حسناً، أتوضأ وأصلي ركعتين، فلما أكمل صلاته قال: أين الغلام؟ فجيء به، فوضع أصبعه في بطن الغلام وهو مولود فقال: يا غلام! من أبوك؟ قال: الراعي فلان، حينئذٍ أكبوا عليه يقبلون يديه ورجليه، وقالوا: اعذرنا يا جريج، نبني لك صومعتك لبنة من فضة ولبنة من ذهب! قال: لا، أعيدوها طيناً كما كانت.

فالغلام عندما نطق كانت هذه معجزة من المعجزات التي يؤيد الله بها عباده.

جاء في الصحيحين أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: (بينما أمٌ ترضع ولدها)، وبينما الولد يرضع، مر رجل له شارة عظيمة، رجل يركب حصاناً، وحوله عشرون رجلاً من الإمام والخلف، فقالت الأم: اللهم اجعل ابني مثله.

فترك الغلام ثدي أمه وقال: اللهم لا تجعلني مثله، ورجع يرضع مرة أخرى! قال: أبو هريرة: (فكأنني أنظر إلى إصبع النبي صلى الله عليه وسلم في فمه يمثل رضاع الولد) كل هذا لكي يقرب الصورة.

ثم مرت فتاة يعذبونها ويضربونها إمام لأنها سرقت أو زنت فقالت الأم: اللهم لا تجعل ابني مثلها.

فترك ثدي أمه وقال: اللهم اجعلني مثلها.

فقالت له أمه: مه! -ما هذا الطفل؟! - كلما قلت شيئاً قال عكسه، فقيل: إن هذا جبارٌ وتلك أمة مؤمنة.

بقدر ما يكون لله من التعظيم في قلبك بقدر ما تؤيد بالدلالات والآيات، المهم أن تخلص دينك وقلبك لربك، والله سبحانه وتعالى شكور، الذي يخلص له ذرة يجدها عنده، فلا يضيعها عليه؛ لأنه قضى أن الحسنات يذهبن السيئات، إلا سيئات الشرك والعياذ بالله فإنها تذهب بكل الحسنات، ولذلك الرسول عليه الصلاة والسلام يقول -بعدما ذكر شفاعة المؤمنين والملائكة-: (يبقى أرحم الراحمين، فيقول الله عز وجل: أخرجوا من النار من ذكرني يوماً)؛ لأنه شكور، لا يضيع شيئاً استودعته عنده أبداً، فلماذا تفر منه؟! هو شكور، إذا رق قلبك لله عز وجل رأيت من الآيات البينات ما لم تجر به العادات.

قال الغلام: رب اكفنيهم بما شئت، فارتج بهم الجبل، فسقطوا ورجع هو، فالله عز وجل يستخدمه، وإلا كان من الممكن أن يهرب ويذهب إلى أي مكان آخر، لكن رجع للملك، ونسأل الله عز وجل أن يستخدمنا في طاعته.