للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أسباب مخالفة الناس للنبي صلى الله عليه وسلم فيما يستطيعون فعله]

إذا فهمنا هذه المقدمة سنرجع إلى شيء هام وهو أصل، وكل ما يذكر عليه فرعٌ عنه، السؤال الذي ندخل به إلى تقرير هذا الأصل لماذا يخالف الناس النبي صلى الله عليه وسلم فيما يستطيعون فعله؟ يعني: كثير من الناس الذين يحلقون لحاهم مثلاً -وحلق اللحية حرام بإجماع الأئمة الأربعة وجماهير أصحابهم، لم يخالف في هذا الحكم إلا من لا ينعقد الإجماع بدخوله ولا ينخرم بخروجه، يعني: وجوده مثل عدمه- تقول له: يا فلان! لماذا لا تعفي لحيتك؟ يقول: سأتهم بالإرهاب، وسأفصَل من العمل.

فأنت قد تكلف في عملك بما لا تطيق، عمل رهيب وإهانات وإرهاق في العمل، ومع ذلك تعمل، لماذا؟ أكل خبز.

طيب إعفاء اللحية لن يكون بمثل هذه المشقة، ألا إن سلعة الله غالية! ألا إن سلعة الله الجنة!.

برهن لي أنك تريد الجنة، الحكم الشرعي كله اسمه تكليف، أي: لا يكون إلا بكلفة وبمشقة، وها أنت قد سمعت في أول الكلام: (ما جاء رجلٌ بمثل ما جئت به إلا عُوْدِي) فلا بد أن تتوقع المعاداة والمشاكل، مسألة ضرورية لدعوة الرسل، العداء ظاهرة صحية لدعوة الرسل ودعوة أتباعهم، فأنت لماذا هانت عليك هذه المخالفة؟

الجواب

الجواب وإن كان مُراً -نسأل الله تبارك وتعالى أن يرد المسلمين إلى دينه رداً جميلاً-: إنك أيها المخالف لا تحب النبي صلى الله عليه وسلم، جواب مُر صحيح، وتهمة مرة؛ لكنها حقيقة، محبته ناقصة، فإذا زالت بالكلية كفر المرء، لكن محبة ناقصة، قد تنقص إلى أدنى درجات النقص، لو كان هذا الرجل محباً ما تجرأ على المخالفة، المحب لا يخالف حبيبه أبداً إذا صدقت محبته، المحب لا يرى في الدنيا أمراً إلا أمر حبيبه، ولا يرى نهياً إلا نهي حبيبه، ولا يرى خصلةً جميلة في الدنيا إلا كتبها إلى حبيبه، ولا منقصة إلا برأ منها حبيب.

متمم بن نويرة له أخ اسمه مالك بن نويرة، قتله خالد بن الوليد وتزوج امرأته أيام حروب الردة، وكان متمم شديد الحب لأخيه مالك، فلما قتله خالد؛ رثاه متمم بأبياتٍ ما قرأت لأحدٍ أبياتاً أو كلاماً تفجّع به على أحد مثلما قرأت لـ متمم، أبيات تهز القلب وهو يرثي أخاه يقول: لَقَدْ لاَمَنِي عِنْدَ الْقُبُورِ عَلى البُكا رَفِيقي لِتَذْرَافِ الدُّمُوعِ السَّوَافِكِ فَقالَ أتَبْكِي كُلَّ قَبْرٍ رَأيْتَهُ لِقَبْرٍ ثَوَى بَيْنَ اللِّوَى فَالدَّكَادِكِ فُقُلْتُ لَهُ إنَّ الشَّجَا يَبعَثُ الشَّجا فَدَعْني فَهَذَا كُلُّهُ قَبْرُ مالِكِ كأن لم يمت في الدنيا إلا أخوه، كل القبور التي على وجه الأرض هي قبر أخيه، لا يرى في الدنيا ميتاً إلا أخاه، حتى قيل: إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما سمع هذا الرثاء قال: (يا متمم! لو أن أخي زيد بن الخطاب رُثي بمثل هذا ما وجدت على فقده) لعلو هذه الأبيات، الذي يخالف النبي صلى الله عليه وسلم ويخشى لوم اللائمين، وتعيير المعيِّرين ليس بمحب، لماذا؟ لأن المحب كلما لاموه مضى، يقول الشاعر: يخط الشوق شخصك في ضميري على بعد التزاور خط زور ويوهمنيك طول الفكر حتى كأنك عند تفكيري سميري فلا تبعد فإنك نور عيني إذا ما غبت لم تظفر بنور ثم الشاهد: إذا ما كنت مسروراً لهجري فإني من سرورك في سرور أي: أنا مسرور لسرورك حتى لو كان سرورك على أشلائي، هذا هو الحب.

فإذا قال لك رجل: يا سنِّي! فيما مضى كانوا يعيروننا بالمسألة هذه، أي شخص يريدون أن يلمزوه قبل عشرين سنة مثلاً يقول له: يا سني! فنحن نقول: تلك شكاة ظاهر عنك عارها.

الحجاج بن يوسف الثقفي لما عير أسماء أيام فتنة عبد الله بن الزبير دخل عليها وقد بلغت مائة عام وقد عميت، فقال لها: يا ذات النطاقين! أَيعيِّر شخصٌ شخصاً بالكلمة هذه؟ يا ذات النطاقين كأن شخصاً يعيِّرك يقول لك: اسكت يا بن الأصول! تلك شكاة ظاهر عنك عارها، فمثل هذا لا يعيَّر المرء به.

فأنت إذا قيل لك: (يا سني!) هذا شرفٌ لك، بعض الناس يتركون متابعة النبي عليه الصلاة والسلام خشية المعرة، وما هي بمعرة، هذا الحب هو الأصل، وكل شيء يأتي بعده فرعٌ عليه.

إذا أحببت كما يقول المنظرون في المناظرات، عندما يستدل شخص بدليل ضعيف، ويأخذ منه حكماً شرعياً يقولون له: (لا يستقيم الظل والعود أعوج) الدليل ضعيف؛ لا تأخذ منه حكماً.

فنحن نقول: إن المحبة هي العود، وكل عملٍ يأتي بعد ذلك هو كالظل للعود وفرعٌ عنه.