للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[نصيحة عامة لطلبة الجامعة والمدارس]

السؤال

نريد من فضيلة الشيخ أن يوجه نصيحة لطلبة الجامعات والمدارس وهم على الأبواب؟

الجواب

إخواننا في الجامعة على وجه الخصوص أقول لهم: كونوا كما قال حذيفة بن اليمان رضي الله عنه عندما سمع رجلاً يقول: (والله لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا ما تركناه يمشي على الأرض) حذيفة سمع هذه الكلمة ما معنى هذا؟ معناه أن الصحابة قصروا في حق النبي عليه الصلاة والسلام وتركوه يمشي على الأرض!!.

فقال حذيفة له: (يا ابن أخي! أكنت تفعل ذلك؟)، ثم ذكر له موقفاً واحداً، ومن هذا الموقف أدلف إلى نصيحة طلبة وطالبات الجامعة.

قص عليه موقفاً واحداً.

لما كان يوم الأحزاب وكان الجو بارداً شديد البرودة، حتى أن الصحابة كان الواحد منهم يحفر لنفسه حفرة ويدفن نفسه فيها من البرد، وتعرفون الصحابة وجلدهم، وكيف كانوا يتحملون الحرارة في مكة التي تغلي منها الرءوس، وكانت أمورهم وحياتهم على ما يرام ولامشكلة، فتخيل هذا الصبور يحفر لنفسه حفرة لأنه لا يتحمل البرد! وهم في حفرهم في الرمل! فالنبي عليه الصلاة والسلام يريد أن يرسل عيناً على المشركين فقال: (من يأتيني بخبر القوم وهو معي في الجنة؟) أظن هذا حافزاً يجعلهم كلهم يخرجون من الحفُر!.

ومع هذا لم يقم أحد من حفرته من شدة البرد، فكرر ثلاث مرات: (من يأتيني بخبر القوم وهو رفيقي في الجنة؟ -فكأن حذيفة أحس أنه سيقول له: قم فأدخل نفسه في الحفرة أكثر، فقال: (فتقاصرت) -أي: أدخل نفسه في الحفرة أكثر- قال: فقال لي: (قم يا حذيفة)، قال: (ولم يكن من طاعة الله ولا طاعة رسوله بد)، قمتُ فقال لي: (ائتني بخبر القوم ولا تذعرهم علينا) -أي: لا تنفرهم أو تهيِّجهم علينا وإنما بهدوء- (ودعا لي؛ فكأنني أمشي في حمام) -ذهب عنه البرد وما يجد من القُر كأنه يمشي في حمام- قال: (فذهبت إليهم فرأيتُ ناراً عظيمةً) -أحدهم عاري الظهر ويصطلي بالنار، أي: يستدفئ- (فعلمتُ أنه أبو سفيان) -وهذه كانت أول مرة يرى فيها أبا سفيان - قال: (فأخذت السهم ووضعته في كبد القوس، وهممت أن أضربه فتذكرت قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تذعرهم علينا).

قال: (ورجعتُ فأخبرته خبر القوم فعاد لي القُر -أي: رجع البرد مرة أخرى بعد أن أدى المهمة، وانتهى مفعول دعوة النبي صلى الله عليه وسلم له فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم ما عليَّ من القُر أعطاني عباءته فتدثرت بها، فنمت حتى الصباح، قال: فجاءني النبي صلى الله عليه وسلم فقال لي: (قم يا نومان).

هذا الحديث يدل على صدق الانتماء إلى الله سبحانه لن تنصر دينك إلا بصدق الانتماء إلى ربك، الجامعات فيها شيء في الدراسات العليا والماجستير والدكتوراه اسمه: الحياد العلمي، وهذا المفهوم في مصطلحنا: هو ترك الانتماء إلى السلف، أي: عندما تنظر في أي قضية؛ اعتبر نفسك مقطوعاً من شجرة، لا تنتمي ولا تستحضر دينك؛ لأنك إذا استحضرت دينك ستنحاز له، وإذا انحزت إلى دينك ينعدم عنك الحياد العلمي الذي نريد أن نربيه فيك.

الحياد العلمي هذا أتانا من الغرب، قال الدكتور طه حسين: ينبغي أن ننظر إلى القرآن على أنه كتابٌ أدبي، لا أنه من عند الله، ويتعرض للنقض وللقواعد النحوية؛ ولذلك العلماء طردوه، ومن جملة العلماء علماء الأزهر، فلما طردوه ذهب وأخذ الدكتوراه في اللغة العربية من باريس، لا من بلاد العرب أو من الأزهر، طردوه وكفروه بسبب كتاب (الشعر الجاهلي)، وعاد وقال: أنا تبت وأنبت، والأستاذ أنور الجندي نقل في بعض مقالاته أن الدكتور طه حسين سُئل في آخر حياته: أما زلت معتقداً الكلام الذي في كتاب (الشعر الجاهلي)؟ قال: ما تركت منه حرفاً.

معتقد تماماً ما في الشعر الجاهلي الذي كفره العلماء بسببه.

فباسم الحياد العلمي يدخل المرء ناسياً أنه مسلم لماذا؟ يقول لك: لأن الحياد العلمي معناه عدم الانحياز، وإذا انحزت ضاع الحياد.

لا يستطيع رجلٌ ولو كان من عباد الحجر أن يترك انتماءه أبداً أنترك انتماءنا إلى الله ورسوله؟ يا إخوة: هناك قصة تناقلتها المجلات العلمية، أنا أقولها للشباب، لأن الشباب هم أمل الأمة، ورقة بن نوفل يقول فيها: (يا ليتني فيها جذعاً إذ يخرجك قومك)، تمنى أن يرجع شباباً ينصره، فلا ينصر الدين إلا الشباب، القصة هذه تناقلتها المجلات العلمية وأنا لا أحتج بها، إنما أذكرها لأستنفر؛ فإن الأسد إذا قيل له: إن الكلب يفعل كذا وكذا يغتاظ أن يُضرب له المثل بالكلب.

فهذه قصة رجل مهندس، غيّر وجه العالم بعلمه، فشباب الجامعة يقول لك: تريد مننا أن نغير الدنيا؟ نعم تغيرها، لماذا لا تغيرها؟ رجل واحد أقرض بعض البلاد العربية بخمسمائة مليار دولار، في حرب الخليج هذه الأموال لو وزعت على المسلمين لكان كل فرد من الأغنياء (مليونيراً)، وما كان هناك فقير على وجه الأرض من المسلمين رجل واحد عمل هكذا؟ نعم رجل واحد يفسد الدنيا، ورجل واحد يصلح العالم، لماذا تقتل المواهب فيك؟ هذا الرجل اسمه، بعد الحرب العالمية الثانية، بعد القنبلة الذرية التي نزلت في هيروشيما في اليابان، وحصل عليها حظر حتى الآن واليابان لا تستطيع تصنيع طائرة عسكرية ولا دبابة ولا مدفع، حتى الآن، أرأيتم في عمركم طائرة حربية من تصنيع اليابان؟ هناك تفتيش كل ستة أشهر على كل مصانع اليابان وكذلك ألمانيا حتى يضمنوا أن هذه البلاد لا تنتج السلاح العسكري، ولكن أطلقوا أيديهم في الصناعات السلمية الثلاجات والغسالات والسيارات وما شابه ذلك، فأوفدت اليابان طلائع، منهم: هذا المهندس.

، الذي ذهب إلى ألمانيا ليأخذ الدكتوراه في علم المحركات، نزل ألمانيا حتى يعود بلقب دكتور، والقطعة التي يصفوها يعطي لها رقماً، ويرسمها على ورقة من أجل إذا جاء يركِّبها دون أن يرتبِك، فك المحرك وركّبه، قال: وشغلته فاشتغل قال: فكاد قلبي أن يتوقف من الفرح، أخذت المسألة منه ثلاثة أيام، قال: فذهبت إلى أستاذي في البعثة وقلت له: إني فعلت كذا وكذا فقال: حسناً، هذا محرك عطلان ابحث عن العطل الذي فيه: أخذ المحرك أيضاً بنفس الطريقة وفكه، اكتشف أن فيه عطلاً مثلاً سلك متآكل، أصلح السلك وشغّله فاشتغل، أخذت المسألة هذه منه عشرة أيام، قال: فذهبت إلى أستاذي وقلت له: إنني وجدت سلكاً فيه كذا وكذا قال: حسناً ينبغي أن تلتحق بمصانع صهر النحاس والحديد والألمنيوم؛ لأنه لا يستقيم لك أن تأخذ قطعة غيارك من خارج بلادك، لازم تصنع قطع غيار بنفسك، قال: (فذهبت إلى أحد هذه المصانع، ولبست الزي الخاص بالعامل، قال: وكنت عاملاً تحت العامل -مع أنني من أسرة ساموراي- أنا رجل صاحب أصل ومن أسرة عريقة؛ لكنني كنت أعمل عاملاً تحت العامل وأطيعه، ثم قال: (وكل شيء يهون لأجل اليابان)، ينتمي إلى تراب وطنه، (كل شيء يهون لأجل اليابان)، ظل في هذا المصنع ثماني سنين، نسي أنه ذاهب ليحضر الدكتوراه، لماذا؟ لأن هناك هم أكبر من ذلك، إن الرجل النكرة إذا انتمى إلى أمةٍ عظيمةٍ كان عزه من عز أمته، وإن الرجل العظيم إذا انتمى إلى أمة نكرة، وطئ بالنعال.

المرأة التي قالت: وامعتصماه! أيعرف أحد اسمها؟! والرجل الذي حمل الصرخة إلى المعتصم أيعرفه أحد؟ لا أحد يعرفه، لكن امرأة عرّاها اليهود وكشفوا عن سوأتها رآها رجلٌ كان في أمةٍ عزيزةٍ عز بعزها، فحملته هذه النخوة والعزة أن يذهب إلى المعتصم ليقول له: حدث كذا وكذا اليهود عروا كثيراً من نساء المسلمين في بيوت الموضة والأزياء، وكُشِفت سوأة امرأةٍ واحدة فجرد المعتصم الجيش العرمرم، ودخل وفتح عمورية بسبب امرأةٍ لا نعرف اسمها ولا نسبها، وربما المعتصم لم يسمع بهذه المرأة قط.

لماذا؟ لأنها كانت تنتمي إلى أمة عزيزة، أمة قوية.

الآن الأمريكي قد يجرح سهواً في أي مكان في العالم، فتقوم الدنيا على قدمٍ وساق، ومائة مسلم أو أكثر يُقتلون في المسجد الأقصى وهم سجود ولا عزاء ولا نداء!!.

دماء المسلمين أرخص دماء في العالم، لا يستطيع مسلم أن يذبح بقرةً في الهند، وإلا قتلوه وأكلوه.

رجل يمني في بلد عربي -وكنت حاضراً هذه الواقعة- تجاوز الإشارة، فلحقت به شرطة الدورية وأحضروه، فأخرج الجنسية اليمنية، فقال له: يمني وتكسر الإشارة أيضاً؟! أي أن اليمني أجرب، هذا معنى الكلام، فاليمني قام بخطف وثيقة الجنسية اليمنية هذه، وأخرج له الجنسية الأمريكية، لأنه عاش في أمريكا، فقال له: يمني وأمريكي!! إن هذا لشيء عجاب! قال أنت تستهزئ بي!! وظهر أن هناك هاتفاً في السيارة، طلَب السفير الأمريكي، فيأتيه السفير ويعتذر قائد دورية الشرطة رغم أنه ليس أمريكي صرف، إنما هو عربي متجنِّس.

إذاً قوة أمتنا بقوة الأفراد، الانتماء إلى هذه الأمة هو المخرج.

الجامعات فيها كثير جداً من الشباب، وأنا ركّزت على مثل هذا لأنه يُتوقع أن طالب الجامعة يحضِّر دراسات عليا، يحضِّر دكتوراه وماجستير، فيفاجأ بكلمة الحياد العلمي، فنكشف هذا المصطلح كشفاً صريحاً.

الحياد العلمي في الجامعات معناه: ترك الانتماء، فعليك بمذهب السلف، مذهب القرن الأول، مذهب الكتاب والسنة بفهم السلف الصالح، وهذا القيد هو الذي يميز المنهج الحق عن المناهج المبتدعة والله أعلم.

نسأل الله تبارك وتعالى أن يوفقنا، والحمد لله رب العالمين.