للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[طلب اليسر بالتحاكم إلى الكتاب والسنة]

لقائل أن يقول: ما قلته حسن وجميل، ولكننا نريد أن نصل إلى هذا الهدي -هدي النبي صلى الله عليه وسلم- فكيف لنا به؟ كيف نستطيع أن نصل إلى هدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى نرى اليسر في عبادتنا، بل في حياتنا؟

الجواب

يجب علينا أن نرد مشكلات الحياة -وديننا يهيمن على الحياة، خلافاً لهؤلاء العلمانيين الذين يريدون أن يفصلوا ديننا عن الحياة- نرد جميع مشكلاتنا إلى الله ورسوله، والرد إلى الله والرسوله يكون بالرد إلى النص.

إن كثيراً من الناس يزعمون أنهم يردون الكلام إلى الله ورسوله، وهم من أبعد الخلق عن النص، ولابد إذا وصلك النص من التسليم، وهذا شرط، كما قال تبارك وتعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ} [النساء:٦٥] وهذا من المواضع القليلة التي أقسم الله تبارك وتعالى فيها بذاته العلية في القرآن الكريم، كقوله تبارك وتعالى: {فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ} [الذاريات:٢٣]، {فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ} [مريم:٦٨] {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [الحجر:٩٢].

فقال تبارك وتعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} [النساء:٦٥]، أي شيء يتشاجر فيه اثنان لابد من الرد إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فإن لم يرد فإن الله تبارك وتعالى أقسم ونفى الإيمان عنهم {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء:٦٥].

هذه الآية نزلت -كما في الصحيحين- بسبب أن رجلاً من الأنصار تشاجر هو والزبير بن العوام على ماء كانوا يسقون به زراعتهم، أرض الزبير بن العوام مرتفعة، وأرض الأنصاري أخفض من أرض الزبير بن العوام، وأنتم تعرفون ما كان هناك أنهار، ولا كان هناك أنابيب، ولا شيء الماء يتجمع في مكان وبعد ذلك يحفروا له قنوات، فالشيء الطبيعي أن الرجل الذي أرضه مرتفعة هو الذي يسقي أولاً؛ لأن الأرض المنخفضة لو استوعبت الماء يبقى الذي في العالي لن يصل إليه ماء.

الزبير بن العوام أرضه مرتفعة، والأنصاري أرضه منخفضة، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: (اسق يا زبير ثم أرسل الماء إلى جارك) فهذا الأنصاري قال للرسول عليه الصلاة والسلام: حكمت له أن كان ابن عمتك؟! بسبب أنه ابن عمتك جعلته يسقي أولاً! فغضب النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (اسق يا زبير ثم احبس الماء) قال الزبير: فنزلت الآية {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} [النساء:٦٥] مع أن الاثنين حكموه، هاهو الصحابي أتى بـ الزبير وحكموه، لكن مجرد التحكيم لا يكفي، ما زال هناك أشياء {ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا} [النساء:٦٥] أي: ضيقاً في الصدر {مِمَّا قَضَيْتَ} [النساء:٦٥] وليس هذا فقط، بل {وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء:٦٥].

كل إنسان يرفع خصومه مع آخر، قطعاً هو يريد الشيء؛ وإلا لو كان يعلم أن الشيء هذا ملك صاحبه ما كان اشتجر ولا رفع الأمر للسلطان.

فكل خصمين يخرجان إلى ساحة القضاء كل منهم يظن أنه صاحب الحق، فبالتالي إذا حكم القاضي لخصمك يسوءك ذلك، فالله تبارك وتعالى قال: {ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مما قَضَيت} [النساء:٦٥] يعني: إذا قضى لخصمك عليك لا يكون في صدرك حرج وضيق بسبب أنه قضى لخصمك عليك، ولا تبلغ تمام الإيمان بذلك، بل لابد أن تسلم تسليماً، التسليم يعني: أن يزول الحرج تماماً ويحل محله الرضا، كأنه حكم لك.

مَنْ مِنَ الناس يفعل ذلك؟ إذا خصمه أخذ الأقضية فرح له كما لو كان هو الذي أخذها؟ مَنْ مِنَ الناس يفعل ذلك؟ {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء:٦٥].