للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[اتباع سنن الآباء سبب في الصد عن سبيل الله]

إن شطر الكفر الموجود في الأرض سببه الآباء.

أرسل الله عز وجل أنبياءه إلى الأرض، فأرسل نوحاً عليه السلام إلى قومه فصدوا عن سبيل الله بسنة الآباء، {فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَنزَلَ مَلائِكَةً مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الأَوَّلِينَ} [المؤمنون:٢٤]، فصدوا عن سبيل الله بسنة الآباء.

ثم أرسل الله عز وجل إبراهيم عليه السلام فصدوا عن سبيل الله أيضاً بسنة الآباء: {وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ * قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ} [الأنبياء:٥١ - ٥٣].

{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ * قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَاماً فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ * قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ * أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ * قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} [الشعراء:٦٩ - ٧٤].

ثم أرسل الله عز وجل موسى إلى قومه فصدوا عن سبيل الله بسنة الآباء، قال موسى لقومه: {قَالَ مُوسَى أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَكُمْ أَسِحْرٌ هَذَا وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ * قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ} [يونس:٧٧ - ٧٨].

وأرسل الله عز وجل صالحاً عليه السلام إلى ثمود، {قَالُوا يَا صَالِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوَّاً قَبْلَ هَذَا أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ} [هود:٦٢].

وأرسل الله عز وجل شعيباً إلى مدين، {قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ} [هود:٨٧].

وجاء نبينا صلى الله عليه وسلم إلى قومه فصدوا عن سبيل الله بسنة الآباء أيضاً، {أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَاباً مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ * بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ * وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ} [الزخرف:٢١ - ٢٣].

وقال تعالى: {فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هَؤُلاءِ مَا يَعْبُدُونَ إِلَّا كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنقُوصٍ} [هود:١٠٩].

فسنة الآباء الصد عن سبيل الله عز وجل، اتخذوا سنة الآباء ذريعة؛ وذلك لأن للوالد تأثيراً عميقاً جداً في نفس الولد.

قال الله عز وجل: {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ} [البقرة:٢٠٠].

فلو كان الواحد منا يذكر الله جل وعلا أكثر من الوالد، فكانوا يأتون في المواسم فيقول القائل: أبي كان على السقاية، وأبي أنفق كذا، وأبي أطعم كذا، ولا يذكرون شيئاً من أمر الآخرة، فقال الله عز وجل لهم ذلك: {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً} [البقرة:٢٠٠]، (أو) هنا بمعنى (بل)، جاءت لتحقيق الخبر وزيادة، يعني: اذكروا الله أكثر من ذكركم لآبائكم.

وهذا كقول الله تبارك وتعالى: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً} [البقرة:٧٤]، يعني: بل هي أشد قسوة.

وكقوله تبارك وتعالى: {وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ} [الصافات:١٤٧]، يعني: بل يزيدون.

وكقول الله تبارك وتعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً} [النساء:٧٧]، يعني: بل أشد خشية.

وكقول الله تبارك وتعالى: {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} [النجم:٩]، يعني: بل أدنى.

وكقول الله تبارك وتعالى: {وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أقرب} [النحل:٧٧]، يعني: بل هو أقرب.

وكقول النبي صلى الله عليه وسلم: (كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل) يعني: بل عابر سبيل.

فـ (أو) هنا جاءت لتحقيق الخبر وزيادة، يعني: اذكر الله عز وجل أكثر من ذكرك لأبيك.

فهذا يدل على أن ذكر الواحد منا لأبيه أمر عظيم، يقضي حياتَه في ذكر الوالد.