للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[هديه عليه الصلاة والسلام في الأكل]

قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب:٢١].

مثلاً: في مأكله عليه الصلاة والسلام، فإنه ما عاب طعاماً قط، يا لحلمه وصفحه! ولا يخلو طعام من عيب، فما عاب طعاماً قرب له قط، إن اشتهاه أكله، وإن عافته نفسه تركه، وهذا من فقهه عليه الصلاة والسلام، فإن الناس تتفاوت أذواقهم، رب طعام تعافه نفسك يكون مشتهى عند رجل آخر، فلماذا تعكر على هذا الآخر؟ ربما يخطئ في هذا بعض الآباء، فعندما يقدم له الطعام يبدأ في إعابته فيقول: الأرز فيه كذا، والطبيخ بائت أهذا أكل؟ أهذا شرب؟ لا، أنا لا آكل طبيخاً بائتاً.

مع أن أولاده كانوا سيأكلونه، وليس لهم هذه الملاحظة التي له، فهلا كتمها؟ لماذا يعكر على هذا الذي كان سيقبل على الطعام بشهية، لماذا يعكر عليه شهيته ويعكر عليه مراده؟ وهذا من فقهه عليه الصلاة والسلام؛ لأن المرء لا يجري على وتيرة واحدة في حياته، يعني قد يغتني في بعض دهره ويفتقر في البعض الآخر، ولا يكون سواء، يومه ليس كغده، وأمسه ليس كغده، والأيام دول، فالرسول عليه الصلاة والسلام ما كان يعيب طعاماً قط.

فأنت حين تدخل البيت ولم يعجبك الطعام اطلب طعاماً آخر، لكن لا تعب هذا الطعام، ولو أن بعض أولادك جهر بعيب الطعام أظهر له مزاياه، حتى وإن كنت لا ترى ميزة، حتى تعين ولدك على بطنه.

كثير من الناس تركوا الالتزام وأكلوا الحرام بسبب البطن، وبعض الناس يخرج من وردية ويدخل وردية، عندما تسأله يقول لك: آكل عيشاً، وكثير من الناس أنفق عمره على تحصيل شهواته، فأعن ابنك على بطنه، وعلمه ألا يعيب شيئاً، فربما كان حظه أقل من حظك في الدنيا، فإذا عاش في هذا المستوى ربما ارتشى، وربما أكل الحرام حتى لا يهبط عن المستوى الذي عاش فيه مع أبيه.

فإذاً: ترك النبي صلى الله عليه وسلم العيب في الطعام له أكثر من فائدة.

وكان صلى الله عليه وسلم إذا جلس للطعام جلس جلسة العبد، ما ترك العبودية في موضع ولا مكان حتى وهو يأكل، فكان يقول وهو جالس القرفصاء يأكل: (أجلس كما يجلس العبد، وآكل كما يأكل العبد) ويصرح بهذا ويجهر به، لكن جلسة البطر والكبر ما فعلها قط صلى الله عليه وسلم، وما ينبغي له عليه الصلاة والسلام.

وكان صلى الله عليه وسلم يوصي الرجل إذا جاءه خادمه بطعام أن يجلسه ليأكل معه، وعلل صلى الله عليه وسلم ذلك قائلاً: (إنه كفاك حره وناره) يعني هو الذي وقف يطبخ لك، وهو الذي أصابه لفح النار، وهو الذي تصبب عرقاً، وأنت جالس دائماً، وجالس في التكييف، فأشركه معك في الأكل اذكر جميله حيث تلقى هو لفح النار، أنت تفعل هذا مع امرأتك التي كفتك حر النار، وكفتك هذا التعب، وجئت فوجدت الطعام معداً مهيئاً فتشكرها عليه، وتثني عليها، لاسيما إذا رأيت أو آنست منها إخلاصاً في العمل وفي بذل الجهد، فكما أنها كفتك هذا الحر وهذه النار، فأنت بدورك تسدي لها الشكر، كما أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عرفاناً لهذا الخادم أنه يجلس فيأكل، وقد علل ذلك بما سمعتم.