للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حقيقة الاتباع لا تتم إلا بموالاة الصحابة ومحبة العلماء]

مذهب أهل السنة ومنهجهم في الإيمان بالله ورسوله هو اتباع السلف الصالح، والسلف الصالح هم الصحابة وتابعوهم بإحسان، هذا القيد ذكره الله تبارك وتعالى للاتِّباع، بدونه لا يكون المرء متبعاً، فلذلك أفتى الإمام مالك بأن من سب الصحابة ليس له في الفيء شيء، وقد أخذ هذه الفتوى من هذا القيد: (بإحسان) والذي يسبهم لم يتبعهم بإحسان، فالاتباع يشترط أن يكون بالإحسان، وإلا فليس هو من أتباعهم.

روى ابن مردويه عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه بلغه أن رجلاً سب عثمان رضي الله عنه، فقرأ عليهم: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا} [الحشر:٨]، قال له: أنت منهم؟ قال له: لا، فقرأ عليه: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ} [الحشر:٩]، قال له: أنت منهم؟ قال له: لا، فقرأ قوله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ} [الحشر:١٠]، قال: أنت منهم؟ قال: أرجو! قال: هيهات! أترجو أن تكون منهم وأنت تقول: اللهم العنهم، اللهم أدخلهم النار، اللهم اخذلهم؟! لن تكون منهم حتى تقول: {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ} [الحشر:١٠]، فالذي لا يتبعهم بإحسان لا يترضى عنهم ولا يستغفر لهم؛ فليس من أتباعهم، الذين يطعنون في الصحابة لا تشملهم هذه الآيات حتى يحققوا هذا القيد، فإذا حققوا هذا القيد، فقد رضي الله عنهم ورضوا عنه، ودخلوا في جملة المرضي عنهم.

إن أول بدعة في الإسلام هي تحطيم الرءوس، ولا يزال هذا المعول يفعل فعله حتى بين شباب الصحوة، إن جريمة تحطيم الرأس من أعظم الجرائم! فإنك إذا تكلمت عن الأئمة المشهود لهم بالعدالة والصدق والعلم؛ كالشيخ الألباني، والشيخ ابن باز، والشيخ محمد بن صالح العثيمين والشيخ التويجري، وهؤلاء العلماء -ومن جرى مجراهم من أهل العلم- إذا جاز للواحد أن يطعن على واحد من هؤلاء، فليت شعري من يبقى لنا؟! سنصبح أمة بلا رءوس! نحن نعاني من قلة الرءوس الصالحة المحسنة، فهي أندر من الكبريت الأحمر، والله لو يُشترى العلم والفضل بالمال لبعنا كل غال ونفيس لشراء هذه الرءوس التي تحمل العلم والفضل؛ لأنه شرف لنا، يزيننا.

اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا، وانصرنا على القوم الكافرين.

اللهم اجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر.

اللهم قنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك ولا يرحمنا.

رب آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها.