للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الجزاء حافز وداع إلى العمل]

لقد علمنا النبي صلى الله عليه وسلم أن العبد إذا لم ينصب له جائزة فإنه لا يعمل، والنبي عليه الصلاة والسلام أخذ هذا المعنى من القرآن، فعندما ذكر الله عز وجل أن الجنة للمتقين وأن النار للعاصين، جعل حافزاً وجزاءً، وفي صحيح مسلم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما: (أن امرأة لقيت النبي صلى الله عليه وسلم ومعها غلام، فرفعته وقالت: يا رسول الله! ألهذا حج؟! قال: نعم، ولك أجر)، والمرأة لم تسأل عن الأجر، إنما سألت عن الحج، وكان الجواب كافياً بنعم، لكن النبي صلى الله عليه وسلم أردف ذلك وقال لها: ولك أجر؛ لأن العبد إذا علم أنه يؤجر عمل، وزادت همته.

ونضرب مثلاً للأعمال والأجور: موظفو القطاع العام يأخذون الراتب سواء عملوا أو لم يعملوا، ولذلك كثر فيه الغش والخداع، بينما القطاع الخاص نادر؛ لأنه يربط الأجر بالإنتاج، فإذا أنتج رجل قطعة أخذ مقابلها أجراً، فتجده يجد ويعمل ابتغاء الأجر.

فهذا شيء خلقه الله عز وجل في فطر الناس، فإذا علم الإنسان أنه لن يؤجر؛ فترت همته، وقل عمله، لكن إذا علم أن الله عز وجل سيجزيه ويعطيه؛ فإنه يعمل ويجد ويجتهد، فكيف غفلوا عن هذه الخصلة الموجودة في بني آدم وخاطبوا عبداً مجرداً من الإحساس؟! وقد جاء أن أحد الصحابة قال للنبي عليه الصلاة والسلام في غزوة بدر وكان يأكل تمرات: (يا رسول الله! مالي عند ربي إن قتلت في سبيله؟ قال: لك الجنة! وذكر الجنة ونعيمها، وحورها وشجرها، فقال: إنها لحياة طويلة إن عشت حتى آكل هذه التمرات، فرمى بالتمر ودخل في الصف فقاتل حتى قتل).

ولو أن هذا الصحابي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! ما لي عند ربي إن قتلت في سبيله؟ فقال: لا أجر لك! فهل سيضحي الرجل كما ضحى ورمى التمرات وقال: إنها لحياة طويلة حتى آكل هذه التمرات؟!! ما الذي جعله يضحي بنفسه ويدخل في غمار الصف؟! إنه الجزاء والأجر الذي أخبر به النبي عليه الصلاة والسلام.

الناس في الدنيا نماذج كثيرة، فرجل يعمل ويبني عمارات ومصانع لأجل ماذا؟ وآخر تزوج ولم ينجب ومنذ سنين وهو يذهب إلى الأطباء وهم يرخون له الحبل، ويستدرجونه بالأماني: هناك أمل إن شاء الله!.

وقد حدث هذا الأمر لطبيب أعرفه، تزوج بابنة خاله، وكان يحبها حباً شديداً، ويتمنى منها الولد، وظل سنيناً طويلة يبحث عن ولد، وهم ينسجون له حبال الأماني: هناك أمل! والرجل معتمد على الله عز وجل؛ لأنه قيل له أن هناك أملاً، وفي حياة طويلة على مدار عشرين عاماً، وهي نسبة ذهابه إلى الأطباء في أنحاء العالم رجاء الولد، وخلال ذلك وهو يبني ومعه عقارات، ومعه عيادتان، وفي آخر مرة رجع من بلد أوروبي وقد قال له الأطباء: لا أمل على الإطلاق! فلما رجع بدأ يبيع العقارات والعمارات، وباع عيادة من العيادتين، فسألوه عن ذلك، فقال: لمن أتركها؟! إذاً: لماذا كنت تعمل طيلة عشرين عاماً؟ لمن كنت تبني وتعمّر؟! لقد كان عنده أمل، فلما فقد الأمل أنفق ما جمع، والرسول صلى الله عليه وسلم قال كما في الحديث الصحيح: (إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها)، والفسيلة: هي النخلة، فالرسول صلى الله عليه وسلم يحض على الزراعة، فيقول لأحدنا: إذا كان بيدك فسيلة فاغرسها قبل أن تموت، لا تقل: لمن أزرعها؟ والمرغوب فيك أنك لا تعمل إلا لهدف، فخالف طبعك واغرسها، ولماذا لا يغرسها؟ سيقول: لأن الساعة قد قامت، فمن سيأكل منها إن أنا غرستها؟ فكأنه قال له: خالف ما هو مغروس فيك واغرسها.

إذاً: العبد لا يعمل إلا إذا جعل له الأجر، أما إذا لم يجعل له أجر فترت همته.

فجعل هؤلاء طلب النعيم الأخروي عقبة من عقبات الإخلاص، فضيعوا معنى الإخلاص على سواد الجماهير من المسلمين.