للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ضلال الصوفية في جعلهم النعيم الأخروي منافياً للإخلاص

إن الأنبياء كانوا يدعون الله عز وجل أن يدخلهم الجنة، وكانوا يتعوذون من النار، والله تبارك وتعالى أثنى على عبادٍ له ونسبهم إلى نفسه تشريفاً لهم، قال الله عز وجل: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمْ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً} [الفرقان:٦٣]، وهؤلاء يتعوذون من النار: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً * إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً} [الفرقان:٦٥ - ٦٦]، والذين وصفهم الله عز وجل بالعقل من جملة البشر وهم أولو الألباب، تعوذوا من النار، قال تبارك وتعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ} [آل عمران:١٩٠] ومن جملة قول هؤلاء: {رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلْ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} [آل عمران:١٩٢]، وقبل ذلك بآيات: (فَمَنْ زُحْزِحَ عَنْ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ) [آل عمران:١٨٥]، وهذا كلام الله وحكمه: {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنْ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ} [آل عمران:١٨٥].

لكنهم يقولون: هذه عبادة التجار! فالذين يعبدون الله طمعاً في جنته وخوفاً من ناره عباد سوء!! فجعلوا طلب الأجر عقبة من عقبات الإخلاص، ومن هو الذي يستطيع أن يحقق ما يقولون وقد كان سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم يدعو بالنجاة من النار وهو ساجد؟! وجاءه رجل -كما روى أبو داود في سننه- فقال له: (أما إني لا أحسن دندنتك ولا دندنة معاذ -أي: أنتم تتكلمون كثيراً، وهذا الدعاء لا أفهمه ولا أتقنه ولا أحفظه- لكنني أسأل الله الجنة وأعوذ به من النار، فقال عليه الصلاة والسلام: حولها ندندن)، أي: حول طلب الجنة والعياذ من النار ندندن.

فكل الذكر وكل الدعاء إنما هو لطلب الجنة والنجاة من النار إن هؤلاء يظنون أن الجنة فاكهة ورمان فحسب، لا.

إن أعظم ما في الجنة النظر إلى الله عز وجل، فينسبون إلى رابعة قولها: (وإن كنت أعبدك طمعاً في لقاء وجهك فلا تحرمني)، سبحان الله! وهل يرى العبد ربه خارج الجنة؟! هل هناك مكان ثالث غير الجنة والنار؟! قال الله عز وجل: {كَلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين:١٥]، قال الشافعي رحمه الله: (لو لم يكن من العقوبة إلا الحجاب فلا يرون الله لكان كافياً).

فهذا أعظم من عذاب النار، وهو ألا يرون الله، كما أن رؤية الله عز وجل أكبر من كل نعيم الجنة، كما في الحديث الصحيح، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا استقر أهل الجنة في الجنة، يقول الله عز وجل لهم: يا عبادي! هل رضيتم؟ فيقولون: يا ربنا! وكيف لا نرضى وقد جنبتنا السعير؟! قال: أفلا أعطيكم ما هو أكبر من ذلك؟ قالوا: يا ربنا! وما هو أكبر مما نحن فيه؟! قال: فيكشف الحجاب، فيرون الله عز وجل، فما أعطوا شيئاً أحب إليهم من النظر إلى الله عز جل).

إن أعظم نعيم في الجنة هو أن يرى العبد ربه، فكيف يقولون: (وإن كنت أعبدك طمعاً في وجهك فلا تحرمني من وجهك) ولا يرى العبد ربه إلا إذا دخل الجنة؟! هذا غلط وقعوا فيه، وشيدوه، وبنوا عليه أصولاً في علم السلوك، وتمسك به كثير من الذين تأثروا بـ أبي حامد الغزالي.

فاحذروا باب السلوك وباب العقيدة في إحياء علوم الدين، فهذا الكتاب لا يحل لأحد أن يقرأه إلا إذا كان عالماً، ففيه طامات وحيات وأفاعي بين السطور كم أردت من قتيل! وقد حذر العلماء من هذا الكتاب.

لقد جعل الصوفية طلب النعيم الأخروي عقبة في طريق الإخلاص، فإذا كان الرجل يطلب من الله الجنة ويستعيذ به من النار، يقولون له: أنت لست بمخلص، وإخلاصك يحتاج إلى إخلاص! فضيعوا الإخلاص على جماهير المسلمين.