للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الشيخ الألباني والتمذهب]

وكان من الأسئلة المهمة التي سألتها الشيخ في هذا اليوم سألته عن التمذهب؛ لأنه شاع بين الناس أن الشيخ ناصر الدين الألباني يحارب المذاهب الأربعة، ويحارب التقليد، وكانت -في الحقيقة- شائعة قوية جداً وصلتنا إلى مصر، وكنت أريد أن أعرف رأي الشيخ فيها، فلما تكلم الشيخ في هذه المسألة تكلم بكلام هو الذي عليه الأئمة الأربعة، فالشيخ ناصر لا يقول للمسلمين: لا تتمذهبوا وإنما يقول: لا تتخذوا المذهب ديناً، بمعنى: أن تجمد على المذهب، وإذا علمت الحق في غيره تقول: لا، أنا لا أخالف المذهب، فهذا هو الذي كان الشيخ ناصر ينكره، وقد أنكره العلماء المتقدمون، وتبرءوا من مخالفة النبي صلى الله عليه وسلم أحياءً وأمواتاً، وقالوا قولتهم المشهورة: (إذا صح الحديث فهو مذهبي).

فالشيخ ناصر كان يقول: إذا كنت أنا شافعي المذهب، وظهر الحق في المسألة عند المالكية أو الحنابلة أو الحنفية، فليس معنى ذلك على الإطلاق أن أجمد على مذهبي وأقول: أنا شافعي ولا أخالف المذهب، وأترك الحق الذي قامت عليه الدلائل وأخالفه.

فالشيخ ناصر كان يحارب هذا أشد المحاربة، كما كان الأئمة المتقدمون أيضاً يحاربون هذا أشد المحاربة.

قال رجل للشافعي رحمه الله: (إذا جاءك الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يخالف قولاً لبعض العلماء الذين من قبلك، أتأخذ بالحديث؟ قال: فصاح الشافعي وعلا صوته وغضب وقال: تراني في كنيسة؟! تراني في بيعة؟! ترى على وسطي زناراً؟! إذا قلت بقول على خلاف الحديث فاعلم أن عقلي قد ذهب).

فالأئمة كلهم كانوا يحذرون من مخالفة النبي عليه الصلاة والسلام، فجاء الشيخ الألباني وأخذ هذا ومضى على نفس المنوال، ولكن الحياة العلمية كانت جامدة، وقد كان الناس ركنوا إلى التقليد، وأصحاب المذاهب كلهم لا يتركون المذهب، حتى لو كان على خلاف الحديث الصحيح، بل كانوا يأخذون بفتاوى بعض المتأخرين التي لا يجوز أن تكتب في كتب الفقه أبداً، فمثلاً هناك كتاب من أهم كتب الأحناف المتأخرة ذكر فيه الإمامة في الصلاة ومن أحق الناس بها، ووصل به الحال أن يقول بعدما يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فأكبرهم سناً، فأقدمهم هجرة، فأجملهم زوجة، فأكبرهم رأساً، فأصغرهم عضواً! وهذا مكتوب في كتب الفقه، فهل هذا الكلام يكتب في كتب الفقه ويكون عمدة؟! (أجملهم زوجة) ولا يتأتى هذا إلا إذا كشفنا عن وجوه النساء وقلنا: أجمل واحدة هي امرأة الشيخ الفلاني، إذاً فهو الذي يؤم الناس، ولماذا أجملهم زوجة؟ قالوا: هذا يدل على أنه عفيف.

ولا ينظر إلى النساء لأنها تكفيه، فهل يعقل هذا الكلام؟! وهل هذه الآراء تسمى فقهاً؟ وهناك كثير من الآراء التي لا تصل في الفساد إلى هذا، ولكنها آراء تعتمد على أحاديث ضعيفة موضوعة ومنكرة باتفاق علماء الحديث، ومع ذلك جاء الفقهاء الذين لا يعلمون الصحيح من الضعيف، فأسسوا عليها أقوالاً وأحكاماً فقهية، ولقد وقف الشيخ ضد هؤلاء وقفة قوية صامدة، ولذلك فإن أعداءه كثيرون، لماذا؟ لأنه فل جموعهم بالحجة القوية البالغة.

فالشيخ ناصر لا يقول: بأنه لا يجوز لأحد أن يتمذهب بأحد المذاهب الأربعة، بل يقول: تمذهب، ولا بأس أن تتخذ المذهب وسيلة لدراسة الفقه، ولكن إذا علمت أن الحق في مذهب آخر فإنه يجب عليك أن تتبع الحق مهما كان.

ولقد سألته: أي المذاهب تختار -أي: لو أن هناك طالب علم أراد أن يدرس الفقه ويتخذ المذهب سُلماً لدراسة الفقه، مع الشرط الذي ذكرناه، وهو أنه إذا علم الحق في مذهب آخر فيجب عليه أن يتبع الحق حيث كان.

قلت له: فأي المذاهب تفضل لطالب العلم؟ قال: المذهب الشافعي، هو أثرى المذاهب جميعاً، ثم المذهب الحنبلي، ثم المذهب المالكي، ثم المذهب الحنفي، وهذا مع رعاية الدليل والنظر إليه.