للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[التأثر بالآباء قد يكون سبب الشقاء]

إن الحمد لله تعالى، نحمده ونستعين به ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله تعالى فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:١٠٢].

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:١].

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:٧٠ - ٧١].

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وأحسن الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار.

قصة الآباء مع الأبناء لها شأنٌ عظيم، ويكفي لتدرك خطورة هذه العلاقة أن تعلم بأن شطر الكفر الموجود في الأرض سببه الآباء.

وقد كان الآباء حجةً للأبناء على الرسل؛ فإنه لما جاء صالح عليه السلام إلى ثمود يدعوهم إلى الله عز وجل، أن اعبدوا الله ما لكم من إله غيره، كانوا يردون عليه: {يَا صَالِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا} [هود:٦٢].

ولما جاء شعيب عليه السلام إلى مدين: قال {قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [هود:٨٤] ردوا عليه: {يَا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا} [هود:٨٧].

ولما جاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى العرب يدعوهم، قالوا له: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ} [الزخرف:٢٣]، فيقول الذين أشركوا: {لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا} [الأنعام:١٤٨] {وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا} [الأعراف:٢٨].

وفي الصحيحين من حديث المسيب بن حزن في وفاة أبي طالب، دخل النبي صلى الله عليه وسلم على عمه وهو في سياق الموت، يقول: (يا عم! قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله.

وعنده أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية وجماعة، فيقولون له: يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب؟) الآباء لهم وقع عميق الجذور في نفوس الأبناء، ولذلك المرأة تخوف ولدها بأبيه، برغم أن الأب قد يكون بينه وبين البيت ألوف الأميال، تخوفه بأبيه والأب مسافر في أي بلد، ولا يأتي إلا مرة كل سنة، أو مرة كل سنتين، أو مرة كل ثلاث سنين، ومع ذلك تخوفه بأبيه، والولد يخاف ويقول لها: إذاً: لا تقولي له وأنا لن أفعل، وهذه آخر مرة.

أين هذا الوالد، وأين تأثيره؟ له حضور حتى وإن كان غائباً، لكن من حق الوالد على الولد: أن الولد إذا كان عالماً بالتوحيد، أن ينقل هذا لوالده، ولا يضعف أمام والده بطبيعة العلاقة بينهما.

بعض الأبناء يدركهم الضعف في هذه العلاقة، فيأمره أبوه بما يغضب الله وينفذه، يقول: أبي لا أستطيع أن أعارضه، أبوه يقول له: اذهب يا ولد واشتر علبة سجائر، هات ورقة معسل أو ما دون ذلك أو ما فوق ذلك، والولد يعلم أن السجائر حرام وأن المعسل كذلك، يذهب صاغراً ليأتي بهذه المنكرات التي يعتقد أنها حرام.

ما الذي يحملك؟ يقول: أبي، لا أستطيع أن أخالفه.

لا تقل لي: هذا حياء؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الحياء لا يأتي إلا بخير)، ولما حدَّث عمران بن حصين رضي الله عنه بهذا الحديث لبعض التابعين قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (الحياء كله خير)، فقال هذا التابعي لـ عمران: (إن من الحياء ضعفاً)، مثل هذه الصفة التي نعرضها وهي أنه يؤمر بمعصية الله فيفعلها حياءً، فقال: إن من الحياء ضعفاً، فغضب عمران وقال: أُحدثك عن النبي صلى الله عليه وسلم، وتحدثني عن الكتب؟! لا كلمتك أبداً؛ لأنه يعارض كلام النبي صلى الله عليه وسلم بما هو موجود في الكتب على ألسنة بعض الناس.

فإذاً: إذا أُمر الرجل بمعصية فاستحيا لا تقل لي: إنه مستحٍ، هذا ليس من الحياء، هذا ضعف، وهذا الضعف يرجع إلى حقيقة التصور الإيماني عند هذا الإنسان، إذا أُمر المرء بمعصية الله عز وجل، ولو كان الآمر الوالد، فلا يجوز للولد أن يمتثل.