للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[دعاء ركوب الدابة]

فمثلاً: كم منا عنده سيارة؟! هل الذي ركب السيارة سواءٌ كان يملكها أو كان يركبها، تذكَّر دعاء ركوب الدابة، التي هي السيارة أو الطائرة أو الباخرة أو الحمار أو البغل أو الحصان؟! كان النبي -عليه الصلاة والسلام- إذا ركب دابةً قال: ({سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ * وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ} [الزخرف:١٣ - ١٤])، (مقرنين) أي: مُخْضِعِين، ما كنا نستطيع أن نُخْضِع هذا الحديد فنجعله آلةً تتحرك وترتفع في السماء لولا أن الله تبارك وتعالى هو الذي أخضعه لنا؛ لذلك وأنت تركبها تقول: {سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ * وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ} [الزخرف:١٣ - ١٤]، إذا تأملت في سياق الآيتين، من سورة (المؤمنون)، تقول: ما هي العلاقة بين ذكر الآخرة: {وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ} [الزخرف:١٤] مع ذكر تسخير الله تبارك وتعالى للدواب، ما هي العلاقة بين الآيتين، وبينهما بُعْدٌ على الظاهر؟! فالمتأمل في هذه الآية يرى مَعْنىً في غاية الجمال، وهو أن الآية ذكرت سَفَرَين: - سفر الدنيا.

- وسفر الآخرة.

فسفر الدنيا: {سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ} [الزخرف:١٣] فإن علمت أنك مسافرٌ هذا السفر القصير، تذكرت أنك مسافرٌ سفراً أكبر من هذا وأطول: {وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ} [الزخرف:١٤].

فالجامع ما بين الآيتين هو السفر، فهذا يحملك على أن تتذكر أنك مسافرٌ إلى الآخرة، إلى ربك تبارك وتعالى، فيحملك أن تتقي الله عز وجل.

وإذا ركبتَ الدابة أيضاً، قل: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، وهو على كل شيءٍ قدير، رب اغفر لي؛ فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت).

أتعلمون الفائدة من وراء هذا الذكر؟ ورد في الحديث الصحيح: أن علي بن أبي طالب ركب دابته وقال هذا الدعاء، ثم ضحك، فقال لأصحابه: (ألا تسألوني لِمَ ضحكت؟ قالوا: ومم ضحكتَ يا أمير المؤمنين، قال: ركب النبي صلى الله عليه وسلم دابته وقال هذا الدعاء وضحك، فقال لنا: ألا تسألوني ممَّ أضحك، قالوا: ممَّ تضحك يا رسول الله؟ قال: أضحك من ضَحِك رب العزة: يقول: علم عبدي أن له رباً يغفر فغفرت له).

فانظر إلى هذا الدعاء! (رب اغفر لي؛ فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، فيضحك الله عز وجل، ويقول: علم عبدي أن له رباً يغفر، فغفرت له).

كيف تغفل عن هذا الذكر، وأنت تركب الدابة ذاهباً وآيباً طيلة النهار؟! لماذا تخسر هذا الأجر، وهو لا يكلفك شيئاً: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير، رب اغفر لي؛ فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت).