للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الغرض العيني من العلم]

فتعلم الفرض العيني هذا واجب عليك، وهو ما يحصل به من تصحيح عقيدتك، وتصحيح عبادتك، ومصيرك في الآخرة مرهون بتعلم هذا العلم، وكيف تلقى الله تبارك وتعالى وقد عرفت كل أنواع المعارف ولم تعرف كيف توحده؟ فتجد الرجل عارفاً لدقائق كل شيء، كالطبيب مثلاً من كثرة الممارسة أول ما يرى مريضاً يقول: هذا عنده كذا وهذا من خبرته، ولكن إذا سألته سؤالاً في الوضوء: إذا كنت متوضئاً وجاء كلب وتمسح بك، فلن تجد عنده حلاً، مع أن هذه المسألة تعلمها أيسر من تعلم الطب، لأن تعلم الشرع أيسر من تعلم أي صنعة؛ لأن الله تبارك وتعالى قال: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ} [القمر:١٧]، ولم يذكر صنعة ولا معاشاً؛ لأن الكل محجوج بالقرآن والسنة، والناس يتفاوتون في الفهم والعلم، فجاء القرآن في الوضوح على منزلة أقل واحد بحيث أن الكل يفهم، وقد قال تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج:٧٨]، ولم يقل: (وما جعل عليكم في الدين حرجاً).

بل قال: (مِنْ)؛ لينفي أقل الحرج؛ لأنه إذا قال: (وما جعل عليكم في الدين حرجاً)، فهذا بدلالة المفهوم قد يثبت بعض أنواع الحرج، لكن لما قال: (مِن حرج)، نفى كل أنواع الحرج وإن دقت.

إذاً: الدين الذي هو العلم في متناول الكل.

فكيف تلقى الله تبارك وتعالى ولم تعرف شيئاً عن أسمائه وصفاته، وقد كنتَ تقف تتوجه لوجهه خمس مرات في اليوم؟ ونحن نعرف أن الإنسان إذا أحب آخر يعرف عنه كل شيء يعرف دقائق حياته وتفاصيلها، ويعرف أموره كلها من شدة الحب، فالذين آمنوا يعرفون عن الله تبارك وتعالى أسماءه الحسنى وصفاته العلى، قال تبارك وتعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} [البقرة:١٦٥]، ومن شدة حبه أن يأنف أن يراه الله تبارك وتعالى حيث نهاه، وأن يفتقده حيث أمره، لا يمكن أن تحقق هذا أبداً إلا بالعلم.