للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[فرح فرعون بما هو سبب لزواله]

نفهم من قوله تبارك وتعالى: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ} [القصص:٨] مدى الفرحة الطاغية التي أصيب بها آل فرعون لما وجدوا الصندوق، فالتقطوه، فكانت فرحتهم بهذا الصندوق كفرحة المفلس إذا وجد مالاً في الطريق.

{فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاًً وَحَزَناً} [القصص:٨] وفي القراءة الأخرى المتواترة: {لِيَكُوْنَ لَهُمْ عَدُوَّاً وَحُزْنَاً} [القصص:٨].

السؤال

هل آل فرعون التقطوا موسى ليكون لهم عدواً وحزناً؟ لا.

إنما (اللام) في قوله تعالى: {لِيَكُونَ لَهُمْ} [القصص:٨] (لام المآل) و (لام الصيرورة)، أي: أنه يصير لهم في نهاية الأمر كذلك؛ لكنهم يوم التقطوه إنما التقطوه ليكون قرةَ عين: {وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ} [القصص:٩].

فلو أردنا أن نرتب الآيات بحسب المعاني كان الأمر كذلك: فالتقطه آل فرعون ليكون لهم قرة عين وهم لا يشعرون أنه يكون لهم عدواً وحزناً.

كما لو قلت: تزوج فلانٌ ليشقى.

وهل تزوج ليشقى؟ إنما تزوج ليسعد، فبنى بامرأة سوءٍ أشقته.

أو مثلاً كقول الشاعر: لِدُوا للموت وابْنُوا للخراب لِدُوا للموت؟! فهل الأم التي تعاني آلام الحمل، وآلام المخاض، وآلام الرضاع، وآلام التربية، لو وقر في صدرها أن ابنها يموت عندما ينزل من بطنها ما حملت، إنما حملت وشقيت لتنتظر حياة الولد، ولو كانت تعلم يقيناً أنه يموت عندما ينزل من بطنها ما حملت.

فاللام (لام المآل)، أي: ما يئول إليه الحال.

وهكذا: اعلم أن أهلك سيدورن في هذا الفلك، فينبغي أن تُسَلِّم لله عز وجل فيما قضى واختار لك: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ} [القصص:٦٨].

انظر إلى الترفع في الآية: (ما كان لهم الخيرة) لأنهم لا يعلمون شيئاً، كم من والدٍ تمنى الولد، فلما رزق الولد وعَقَّه تمنى موته، ولو كان يعلم أن أمره يئول إلى ذلك ما ربَّى ولا تعب ولا أنفق.