للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[العلم هو العاصم من الأهواء]

الهوى له مركبان: من ركب واحداً منهما هوى: الجهل والمال، فأي أحد يركب مركب من هذين ولا يستضيء بنور العلم هوى، فتخيل الرجل الجاهل الذي لا يعرف الله ومعه مال كثير فما الذي تتصوره أن يفعل هذا الرجل بالمال؟ سيركب كل شهوةٍ يشتهيها.

إذاً: قوله عليه الصلاة والسلام: (فسلطه على هلكته في الحق) كلمة (الحق) لا يعطيها له إلا العلم، أي: في حق المال، ما هو حق المال؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه أبو كبشة الأنماري عند الترمذي وأحمد وابن ماجة: (إنما الدنيا لأربعة نفر) فأي شخص في هذه الدنيا فهو من هؤلاء الأربعة، فأنت نفسك بأمانة: أي واحد من هؤلاء الأربعة أنت؟ ولا تخدع نفسك: (إنما الدنيا لأربعة نفر: رجل آتاه الله علماً ومالاً، فهو يتق الله فيه، يصل به رحمهُ، ويضع لله فيه حقه، فهذا بأفضل المنازل.

ورجلٌ آتاه الله علماً ولم يؤته مالاً، فهو يقول: لو أن لي كفلان لعملت بعمله.

فهو ونيته؛ فهما في الأجر سواء.

ورجلٌ آتاه الله مالاً ولم يؤته علماً، فهو يخبط في ماله، لا يرعى لله فيه حقه، ولا يصل به رحمهُ؛ فهذا بأخبث المنازل.

ورجلٌ لم يؤته الله مالاً ولا علماً، فهو يقول: لو أن لي كفلان لعملت بعمله.

فهو ونيته؛ فهما في الوزر سواء) عالم غني، عالم فقير، غني جاهل، فقير جاهل، ومرد الثاني والرابع للأول والثالث.

إذاً: الناس قسمان على الحقيقة: تابعٌ، ومتبوع، مجتهدٌ ومقلد.

التابع: العالم الغني، والغني الجاهل.

والمتبوع: العالم الفقير، والفقير الجاهل.

فوظيفة المال يصل به رحمه، ويضع لله فيه حقه.

وأيضاً من حق المال ووظيفته: قوله صلى الله عليه وسلم: (يقول الله: ابن آدم: مالي مالي! وهل لك يا ابن آدم من مالك إلا -هذه وظيفة المال- ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأبقيت).

هذه وظيفة المال: إما أنك تأكل، وإما أنك تلبس، أو أنك تتصدق، فإذا أكلت فإلى المجاري، وإذا لبست فإلى البلى، وإذا تصدقت بقيت لك، وهل يستطيع الرجل أن يتصدق إلا إذا كان عالماً موقناً بفضل الصدقة، وإلا فإن الإنسان أصله شحيح، فلو تصدق لتصدق على خلاف هواه، ولا يستطيع رجل أن يخالف الهوى إلا بعلم، فرجعت الفضيلة إلى العلم، وأنه لا يستطيع أن يغلب شيطانه، وهو يقول له: تنفق المال وتذر ورثتك فقراء؟! فيحمله ذلك على الشح، كما ورد في بعض الأحاديث الذي يقويها بعض أهل العلم: (الولد مبخلةٌ مجبنة) أي: ولدك يحملك على البخل، تتمنى أن تتصدق، تتمنى -مثلاً- أن تنفق على الناس؛ فيحملك ولدك على البخل، تقول: بدل ما أنفق على الناس ولدي أولى؛ فلا تتصدق لأجل الولد.

فإذا دعيت إلى قتال فيهرب المرء لماذا؟ لأنه سيقتل وييتم أولاده، فيحمله ذلك على الجبن.

إذاً: رجعت الفضيلة في الأخير إلى العلم، وأن العلم هو العاصم من الهوى.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم.