للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[منزلة الإمام العادل]

الإمام العادل أول من يستظل بهذا الظل في يوم الحرور، وهذا ليس كما في الشهر الثامن الناس نائمون على الأسطح، ولا تستطيع أن تنام من الحر، وهذا ليس أشد الحر، بل إذا أردت أن ترى الحر الشديد فاذهب إلى الكويت، أو الإمارات، أو السعودية، درجة الحرارة (٦٥م)، يغلي منها الدماغ، وهذا في الظل، وهناك أحر من هذا، قال النبي عليه الصلاة والسلام: (استأذنت جنهم ربها عز وجل في نفسين) تتنفس مرتين لماذا؟ لأنها مؤصدة، إذا جعلت نفسك على النار ولا يوجد أي نفس فيها، ربما تنفجر من البخار، وأنت تعلم عندما يكون هناك غرفة وأنت مقفل شبابيكها في الحر الشديد كيف يكون الحر! فجهنم مؤصدة -أي: مقفلة- فلا أبواب ولا شبابيك ولا يوجد بها شيء يمكن أن يسرب الحرارة نسأل الله العافية منها! فاستأذنت ربها نفسين: (نفس في الصيف، ونفس في الشتاء، فنفس الصيف هو أشد ما تجدون من الحر، وفي الشتاء هو أشد ما تجدون من الزمهرير).

فلا نقول: إن الحر شديد لا، بل إن الشمس تنزل إلى السماء الدنيا، وهي الآن في السماء الرابعة، وبين كل سماء وسماء مسيرة خمسمائة سنة، ومع ذلك أنت لا تطيقها الآن، فتعرف معنى الظل في يوم القيامة عندما تستحضر هذا، وليس ظل شجرة ولا ظل حائط ولا شيء من هذا، هذا ظل الله! فهذا يبين لك عظمة هذا الظل.

فأول شخص يستمتع بهذا الظل هو الإمام العادل، مثل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، والذي كان آخر كلمة قالها قبل أن يموت، وقبل أن يكبر للصلاة -كما في صحيح البخاري- وكان واقفاً بين عمرو بن ميمون وابن عباس، ويتكلم معهما، ثم سوى الصف ودخل في الصلاة، وطعنه المجوسي، قال: (لئن عشت إلى قابل -إلى السنة القادمة- لا أدعن أرملةً في العراق تحتاج إلى أحدٍ بعدي).

فانظر إلى نبل عمر! فآخر شيء كان يشغله الرعية، كيف يمهد للرعية ويريح هؤلاء الناس، فلا يكون المرء عادلاً إلا إذا كان عالماً، فرجع الأمر إلى العلم، فكل شيءٍ لا يستقيم لك إلا بالعلم، حتى في الدنيا لا يستقيم لك إلا بالعلم.