للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[النهي عن وتكلف المشقة في دين الله تبارك وتعالى]

نفى الله تبارك وتعالى الغلو والمشقة في دينه تبارك وتعالى، وهذا كله يدل على الرخصة.

قال الرسول عليه الصلاة والسلام لـ ابن عباس وهو بجمع مزدلفة، قال: (القط لي مثل حصى الخذف وإياكم والغلو) حصى الخذف يعني حصيات صغيرة.

قال: (إياكم والغلو) يعني: لا تكبر حجم الحصاة مرة رأيت رجلاً جاء مندفعاً كالسهم يحمل حجراً كبيرة، ويقول: يا ابن كذا، وشتم شتمتين يؤاخذ عليها الشرع، فرجم بالحجر فوقعت في العمود فإذا بالحجر ترجع له ثانياً، فهذا الرجم غير محسوب له، طالما أنه ضرب الحجر في العمود ورجعت ثانياً، فعليه أن يعيد الرجم مرة أخرى، لأنه لابد أن تقع الحصى في الحوض.

وترى هناك أناساً يضربون العمود بالنعل، فيظن أنه بذلك يضرب الشيطان، فسبحان الله! هذا الرجل الذي عنده غل على هذا الشيطان، نقول له: إن بداخلك شيطاناً يحتاج إلى الرجم كل يوم، الشيطان القابع داخلك والذي يدعوك للفواحش ويجعلك تؤخر الصلاة ولا تقوم بما يجب عليك من دين الله، هو هذا الشيطان الذي يستحق أن يرجم كل يوم.

المشقة غير مقصودة على الإطلاق في دين الله عز وجل، قال الرسول عليه الصلاة والسلام لـ عائشة رضي الله عنها: (أجرك على قدر نصبك)، فليس معنى هذا الحديث أنه كلما قصدت المشقة أجرت، لا.

فمثلاً: أردت أن تحج وعندك إمكانية مادية أن تركب الطائرة، فقلت: سأركب سيارة قديمة كي تتعبني، ولكي أكون متعباً طوال الطريق، فيظل يسافر يومين أو ثلاثة أيام، وهو إنما فعل ذلك لظنه أن الأجر على قدر المشقة، فنقول له: لا.

الرسول عليه الصلاة والسلام أنكر على الذين يشقون على أنفسهم تقرباً إلى الله عز وجل.

أبو إسرائيل لما نذر أن يقف في الشمس وهو صائم، قال عليه الصلاة والسلام: (إن الله غني عن تعذيب هذا نفسه، مروه فليقف في الظل).

ونذرت امرأة أن تحج ماشية، مع أن بإمكانها أن تركب، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله غني عن تعذيب أختك نفسها، مرها فلتركب).

إذاً: كون الشخص يقصد المشقة ليؤجر، فهذا ضيق عقل وقلة فهم، أما قوله صلى الله عليه وسلم: (أجرك على قدر نصبك) فمعناه: أن المشقة إذا كانت ملازمة للعمل لا تنفك عنه ولا حيلة لك فيه، فهذه هي المشقة التي تؤجر عليها، فإذا لم تكن لك القدرة على السفر للحج فوق الطائرة، وإنما أقصى قدرتك أن تركب بعيراً، فركبت البعير لمدة شهر أو عشرين يوماً، فذهبت إلى هناك وجسمك في غاية التعب، فهذا هو معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (أجرك على قدر نصبك) لأن المشقة لا تنفك عن العمل، ولا حيلة لك في دفع هذه المشقة، أما أن يقصد شخص المشقة قصداً فهذا ليس من دين الله تبارك وتعالى، وقد ضمن الله عز وجل لنا أن هذا الدين ليس فيه أدنى حرج قال تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة:١٨٥].