للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم إلقاء السلام على اليهود والنصارى]

إن الحمد لله تعالى، نحمده ونستعين به ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله تعالى فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

اللهم صل على محمدٍ وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد.

في الحقيقة وصلتني رقاع مكتوبة، وهي تتعلق بكلامنا عن الولاء والبراء، ورأيت العناية بها، وأن أجلّي لأصحابها ما أخطأوا فيه، أو ما توهموه على خلاف ما ذكرته من النصوص الصريحة سواءً كانت من القرآن أو السنة.

وأيضاً هناك بيانٌ آخر يوزع على أئمة المساجد وعلى الخطباء فيه أشياء تستحق الإشادة، وأشياء تستحق أن ننظر إليها وأن نعلق عليها.

يقول بعض الذين أرسلوا إلي هذه الرقاع: بعد البسملة والصلاة والسلام، والثناء على الله عز وجل.

يقول: أنا من أشد المعجبين بك، ولكن اسمح لي أن أتجرأ، وأخالفك في بعض وجهات النظر، وذلك لا يفسد الود إن شاء الله.

السؤال يقول: أنت تقول: إن من علامات الولاء والبراء مقاطعة النصارى وعدم إلقاء السلام عليهم أو أي تحية أخرى وذكرت حديثاً معناه: أن المجتمع عندما يرى يهودياً أو نصرانياً في طريق بئر يطرحه في البئر؟

الجواب

أغلب المستمعين هم حاضرون ومواظبون على خطبي، فهل مر هذا في كلامي؟! لا.

ما مر على الإطلاق أنني قلت: إذا رأيته في طريق بئر؛ قم وضعه في البئر، وأيضاً ما قلت: إذا قابلت النصراني فلا تحيه بتحية، أنا قلت: قل له أي تحية؛ صباح الخير أو صباح الفُل، لكن قلت: لا تلقي عليه تحية الإسلام التحية الخاصة بالمسلمين.

أيها الإخوة الكرام! أخونا الذي أرسل هذه الرسالة، أنا معجبٌ به أنه طرح ما عنده ولم يكتمه حتى أسدده وحتى أصلح له ما أخطأ فيه.

لما قلت أنا في الخطبة: أن بعض الناس فعلاً لام عليّ كتابةً ومشافهةً، أنني أحياناً أتعرض في خطبتي للكلام عن بعض الموضوعات العامة مثل الحادث الذي حصل للمرأة الإنجليزية وهذا الولد المصري، يقول: إن المنبر أقدس من أن تذكر عليه أمثال هؤلاء هذا كلام رجل لم يجرب الدعوة ولم يجرب الناس، الذي جرب الناس يختلف كلامه وعطاؤه تمام الاختلاف عن حديث الغرف والمكتبات، يختلف كلامه عن الرجل المثالي الذي لا ينظر إلا في المثاليات، نحن نعالج الواقع، تعرفون ما هو أهم جهد نفتقده في أغلب الذين يعتلون المنابر؟ إن جهد الداعية الأعظم، أن يعين الناس على تنفيذ النصوص، لا يقول له: أنا وضعت لك النص أنت (عقلك في رأسك اعرف خلاصك)، إذا خالفته صرت فاسقاً أو كافراً أو مبتدعاً، أنت حر، لا.

أنا مهمتي أن أقول له: النص كذا، وهو يقول: لكن البيئة عندي لا أستطيع أن أقاومها، فآتي أنا أفكر له، كيف ينفذ النص في حدود إمكاناته، لا أتركه على الإطلاق، أسدده وأفكر له، يمكن أن تنفذ الطريقة الفلانية كذا، ويمكن تعمل كذا وكذا، هذا هو جهد الداعية، ربط النص بالواقع، وإعانة الناس على العمل بالنص، لكن أن تقول له: هذا النص أمامك في القرآن والسنة وهو يقرأ! لكنه عاجز عن التطبيق بسبب ضيق عقله، بسبب أنه هو في المحنة، وعادة الإنسان الممتحن لا يستطيع أن يفكر؛ لأن عقله مشغول بالمحنة التي هو فيها، فيحتاج إلى رجل هادئ غير ممتحن يفكر له، فهذا هو جهد الداعية الأعظم.

فأنا عندما أتكلم بكلام عربي مبين واضح، ويأتي مثلاً بعض إخواننا في الله عز وجل يستمع هذا، فيكون من نتيجة السماع أنه يفهم، أنني أقول: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا قابلت اليهود والنصارى في الطريق فاضطروهم إلى أضيقه)، فحين يفهم أن (أضيقه) أنني أرميه في بئر، طيب ما لقيت بئراً، أذبحه؟! هذا ليس مستبعداً، فهو يقول: طالما عرفت هذا، لزم أن أعمل فيه أي حركة، مثلاً؟ لا.

هذه المسألة لم أقلها وليس هذا هو مضمون الحديث.

عندنا آفة أيضاً تكلمت عنها في مسائل الولاء والبراء، أننا أُنشئنا تنشئة خاطئة، فمثلاً: مصطلح الأخوة في الإنسانية غزا مصطلح الأخوة في الله؛ لأن كل وسائل الإعلام مرئية كانت أو مقروءةً أو مسموعة، تصب في مصطلح الأخوة في الإنسانية.

التعامل مع أهل الكفر وأهل الحرب جائز باتفاق المسلمين، أنت رجل تاجر وتحتاج إلى بضاعة مستوردة، تعمل عقداً وصفقات معهم، هذا جائز لا إشكال فيه، وقد كان المسلمون يتبايعون مع الروم وفارس، وليس مجرد التبايع معهم دلالة على أننا نحبهم؛ لكن ما هو الحب الممنوع في التبايع؟ التوقير فالكافر تقول له: صباح الخير، عقدنا كذا وكذا، والحكاية كذا وكذا، ابعث لي؛ أبعث لك، انتهت المعاملة على هذا، لكن المسلم تختلف معاملته، أول ما تقابله: كيف أنت، كيف أصبحت، كيف أولادك، لعلك بخير، إذا حمد الله؛ أنا أحمد الله وأثني عليه أنه ما زال بخير، وحتى لو كان بيني وبينه خصومة، الأخوة في الله عز وجل لا يرفعها البغي: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات:٩ - ١٠]؛ لكن نحن ما ربينا على هذا المصطلح، آباؤنا فرطوا في تربيتنا والإعلام له دور، والمثال الذي سأذكره يندرج ولو من طرفٍ خفي تحت قول النبي صلى الله عليه وسلم: (كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه).

فأنا أقول الآن: عند الناس في أمثالهم مثل خطأ، لكني سأحتج به، يقول المثل: الأب الذي ربى وليس الذي خلف، طبعاً هذا المثل غلط، الأب هو الذي ولد باختصار: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ} [الأحزاب:٥].

مثلاً: امرأة طلقت ومعها ابنها الصغير ثم تزوجت برجل آخر، فزوجها الثاني أخذ الولد وهو ابن شهرين، ورباه حتى صار رجلاً كبيراً، ولم ير أباه على الإطلاق طيلة حياته، من أبوه؟ الذي رباه أو الذي خلفه؟ هذا من باب الإلزام فقط، وليس من باب الاحتجاج، أقول: إن الذي يربي ابنك هذا، ابن من؟ ابن التلفاز؛ لأن الأب على مذهبهم هو الذي يربي.

طيب التلفاز مفتوح أربع وعشرون ساعة والأب يعمل ثماني عشرة ساعة، وأحيانا بعض الآباء يقول: أفتقد أولادي تدخل الساعة الواحدة ليلاً وتخرج الفجر، هذا متى يربي؟ تعرف الأولاد يستهويهم الشيطان، هناك ولد كان القاضي يسأله يقول له: أنت لماذا تعمل هكذا؟ فيقول الولد: ما رأيت أبي منذ سنة، قال له: يا بني أبوك مسافر؟ قال له: لا.

إنه يبيت في البيت كل ليلة، هو دبلوماسي معروف، قال له: لم أره منذ سنة؟ طبعاً هذا الولد يسهر مع أصحابه ويرجع الساعة الرابعة فجراً، والرجل ينام بعد العشاء، يطلع الفجر لكي يذهب ديوان الشغل، والولد لا يزال نائماً، فبقي سنة لم ير أباه، لذلك يقول الرسول عليه الصلاة والسلام: (كل مولود يولد على الفطرة فأبواه) فإذا غاب الوالد وغاب دوره، فلا يبقى إلا الحاضر، والتلفاز هو الذي يربي، فمن جملة ما قتله التلفاز، مسألة الاعتزاز بدينك، وليس معنى الاعتزاز بدينك أن تظلم، هذا الكلام غلط، أنا أعتز بديني ولا أظلم، جاري النصراني لا يؤذيني؛ لا أؤذيه، وإذا وقع في مشكلة، كذلك لا مانع أن أقدم له يد المساعدة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (دخل رجل الجنة في كلب سقاه).

يا أخي! نزل هذا منزلة ذاك، وانتهى.

فإذا كان لك في كل كبدٍ رطب أجر، وإذا سقيت كلباً تأخذ أجراً، ولو مددت يد العون لرجل على غير دينك واحتاج إلى ذلك، فالإسلام لا يمنعك من ذلك، لكن يمنعك من السهرات ورفقاء السوء وكثرة الدخول والخروج وأن تقطع إخوانك المسلمين.

فنحن نقول لصاحبنا: أنا لم أمنع السلام على النصراني نهائياً، بل أجريت الخلاف الوارد بين العلماء، وقلت: إن بعض العلماء لما قرأ قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تبدءوا اليهود والنصارى بالسلام)، نظر إلى العلة في المنع، لماذا لا نبدأ اليهود والنصارى بالسلام؟ العلة وردت في حديث آخر: إن اليهود إذا سلموا عليكم يقولون: السام عليكم، أي: الموت عليكم.

فقولوا: وعليكم.

يبقى إذاً أنا أرجعتها له، وهذا هو العدل ما ظلمته، بل بالعكس هو الذي بدأ ودعا عليَّ بالموت، فأنا رددت عليه هذه الدعوة، رداً رفيقاً بدون مشاكل: السام عليه، وقد أنكر صلى الله عليه وسلم الزيادة على ذلك، مع أن البادئ أظلم، لكن ليس المعنى: أن تعطيه بالصاع صاعين! لا.

لو زدت شيئاً عليها، فقد تظلمه.

دخل رجلٌ من اليهود كما في البخاري وغيره على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: (السام عليك يا أبا القاسم، فأجابت عائشة، فقالت: وعليك السام والذام واللعنة، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: مهلاً يا عائشة، إن الله لا يحب الفحش ولا التفحش) الرسول صلى الله عليه وسلم لما سمع: السام عليك يا أبا القاسم، قال: وعليك.

فـ عائشة كادت أن تنفلق فلقتين لما سمعت الدعاء عليه، فقالت هذا الكلام، فقال لها: (يا عائشة إن الله يكره الفحش والتفحش، قالت: يا رسول الله، أولم تسمع ما قال؟ قال: أولم تسمعي ما قلت).

ونحن إذا خرجنا عن هدي الرسول الكريم، نكون قد ظلمنا أنفسنا وليس هناك عدل أحسن ولا إحسان أفضل من هذا، فالعلماء عندما قالوا: لا تبدءوا اليهود والنصارى بالكلام، قالوا: لأنه يلوي بلسانه ويقول: السام عليكم، ومع الأسف فإن بعض المسلمين لا يقصدون الدعاء يقولون: السام عليكم يختطها خطاً، وهذا فيه شبه بالمغضوب عليهم، والمفروض أن الإنس