للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[من صفات عباد الرحمن الاقتصاد في معايشهم]

ثم يبين الله سبحانه وتعالى منهج حياة هؤلاء في التعاملات مع الناس، ويبين منهجهم في اقتصادهم، وفي سيرهم كذلك، فدينُنا {تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت:٤٢]، وشرعُنا خير شرع، وربنا سبحانه وتعالى ما فرط في الكتاب من شيء.

فليس فقط يبين لنا ربُّنا حالَنا في الليل وصَلاتَنا في الليل؛ ولكن منهجنا الذي نسلكه كذلك في الإنفاق يبينه لنا ربُّنا.

يبين لنا ربنا سبحانه اقتصادنا وكيف نكون فيه.

قال الله سبحانه: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا} [الفرقان:٦٧] هذا حالهم في الإنفاق، ليسوا بالمتهورين المسرفين المبذرين إخوان الشياطين، وليسوا بالشحيحين البخلاء المذمومين، الذين حازوا شر الأدواء وهو داء البخل، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من سيدكم يا بني عمرو بن عوف؟! قالوا: يا رسول الله! الجد بن قيس، على أنَّا نُبَخِّلُه يا رسول الله! قال: وأي داء أدوى من البخل؟! بل سيدكم فلان) وسمى لهم النبي صلى الله عليه وسلم سيداً آخر غير الجد بن قيس.

فعباد الرحمن مقتصدون في سيرتهم، مقتصدون في إنفاقهم، كما علمهم ربهم إذ قال: {وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً} [الإسراء:٢٩].

وكما قال: {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً} [الإسراء:٢٦ - ٢٧].

وكما قال: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف:٣١].

هكذا تسير وتضبط أمور الاقتصاد بضوابط ليس لها نظائر في التاريخ، وليس لها نظائر في العالم كله، إنفاق بقَدَر، وإمساك بقَدَر، وسط بين هذا وذاك، {تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت:٤٢].

قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الاقتصاد والسمت الحسن جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة).

فكما يبين الله لنا أحوالنا في الليل، وكما يبين الله لنا أحوالنا في التفكر في آلائه، يبين لنا طريقتنا في الإنفاق كما قال ذلك سبحانه وتعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً} [الفرقان:٦٧] أي: في اعتدال وتوسط.

فالحمد لله على هذا الدين القويم.