للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الأضحية حكمها وشروطها]

معشر الإخوة ينبغي لمن كان منا موسراً أن يضحي، فالأضحية سنة سنها لنا نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، وقد قال ربنا في كتابه الكريم: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر:٢] أي: وانحر لربك، وقال تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام:١٦٢ - ١٦٣].

الأضحية قربة يتقرب بها العبد إلى الله، فلو اشتريت بألف جنيه لحماً، واشتريت شاة بمائتي جنيه، فإنك تثاب على ذبح الشاة أكثر من ثوابك على شراء اللحم، فالذبح في نفسه نسك وقربة وعبادة يتقرب بها إلى الله سبحانه وتعالى، دلت على ذلك الآيات والأحاديث، قال النبي عليه الصلاة والسلام: (لعن الله من ذبح لغير الله)، فالذبح نفسه عبادة، فالأضحية سنة مستحبة عن رسولنا محمد عليه الصلاة والسلام، ولقد (ضحى النبي عليه الصلاة والسلام بكبشين أملحين أقرنين سمينين).

للأضحية شروط كما لا يخفى عليكم، فلا يضحى إجمالاً بذوات العيوب، ولا يضحى إجمالاً إلا بالمسنة، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (لا تذبحوا إلا المسنة إلا أن يعسر عليكم فلتذبحوا الجذعة من الضأن) والمسنة: هي الثني من كل شيء، فالثني من المعز من له سنة تامة ودخل في الثانية، والثني من البقر ما له سنتان ودخل في الثالثة، والثني من الإبل ما له خمس سنوات ودخل في السادسة، لا يجزئ إلا ذلك، يعني: لا يصح أن تذبح من الماعز ما عمره أقل من سنة، ولا من البقر ما عمره أقل من عامين، ولا من الإبل ما عمره أقل من خمس سنوات، فإن فعلت فهو لحم وليس من النسك (إلا أن يعسر عليكم فلتذبحوا الجذعة من الضأن)، ومن أهل العلم من قال: جذعة الضأن عمرها سنة، ومنهم من قال: جذعة الضأن ستة أشهر والأمر في تحديدها قريب، فلتستعدوا بذلك، وإن لم يكن هذا بواجب، فالنبي عليه الصلاة والسلام (ضحى عمن لم يضح من أمته) ولكنها سنة مستحبة، سنة لخليل الله إبراهيم وسنة لنبي الله محمد خاتم النبيين عليه أفضل صلاة وأتم تسليم.

فمن وجد سعة فليضح، والله سبحانه وتعالى يثيبه على هذه الأضحية، فلا تكن مريضة بين مرضها، ولا عرجاء بين عرجها، ولا عوراء بين عورها، ولا تكن من ذوات العيوب الظاهرة الواضحة، ولا تكن هزيلة كذلك، فإن سلفنا الصالح -أهل الفضل والصلاح- كانوا عند تقربهم لله ينتقون أفضل وأجل وأعظم قربة يتقربون بها إلى الله سبحانه وتعالى، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ} [البقرة:٢٦٧]، يا من بخلتم! ويا من عمدتم إلى الرديء فأخرجتموه وذبحتموه! اعلموا أن الله غني حميد، غني عنكم وعن قرباتكم، والأمر كما قال تعالى: {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ} [الحج:٣٧]، فجدير بكم أن تستعدوا بأضحية إن كان ربنا قد وسع عليكم، فلا تبخلوا عن أنفسكم، والأضحية تجزئ عن أهل البيت الواحد.