للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم اجتماع جنازة مسلم وكافر في آن واحد]

معشر الإخوة! نبين بعض المسائل الفقهية التي عرضت لنا وهي مسألة اجتماع أكثر من جنازة؛ أحد هؤلاء الأشخاص كان متمسكاً بدينه، والآخر كان مسرفاً على نفسه بالذنوب والمعاصي أو كان تاركاً للصلاة أو كان مشركاً من المشركين، إذا اجتمعت جنازة -على سبيل المثال- ميت ساحر وميت آخر مسلم وصالح فما العمل؟ رأى فريق من أهل العلم ترك الصلاة على الساحر لكفره، واستدل العلماء على كفر الساحر بقوله تعالى: {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ} [البقرة:١٠٢]، قال تعالى: {يعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ} [البقرة:١٠٢]، فمن العلماء من يستدل على كفر الساحر بهذه الآية الكريمة، فإذا كان الميت ساحراً واجتمعت جنازته مع جنازة مسلم فما العمل؟ ابتداءً ينبغي أن ينصح أهل الميت الصالح بألا يجمعوا الجنازة مع هذا الساحر، بل تميز جنازة أهل الفضل وأهل الصلاح عن جنازة السحرة والكفار، بل هو واجب إذا استيقنت من سحره ومن كفره أن تميز جنازة أهل الفضل فيصلى عليها، وأما الساحر فلا يصلى عليه أصلاً، لا يصلى على الكافر لقوله تعالى: {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ} [التوبة:٨٤] فلا يصلى على أهل النفاق، ولا على أهل الكفر، ويلحق بهم السحرة فلا يصلى عليهم، لكن قدر وأتي بجنازة فيها ميت ساحر مع ميت ليس بساحر فهل نترك الصلاة عليهما معاً لوجود الساحر أم ماذا نصنع؟ فمن أهل العلم من يجوز الصلاة ويقول: إن النبي عليه الصلاة والسلام مر على مقبرة مشركون، ويهود، وأهل نفاق، وفيهم مسلمون، فسلم عليهم النبي صلى الله عليه وسلم جميعاً، وقد نهينا عن ابتداء اليهود بالسلام؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (لا تبدءوا اليهود والنصارى بالسلام)، فمن العلماء من قال: صل وادع للمسلم ولا تدع للكفار، هذا وجه قوي، وحق المسلم لا يسقط، وإن امتنع أهل الفضل عن الصلاة، ليس لأن الصلاة على المسلم حرام آنذاك، ولكن امتنعوا عن الصلاة زجراً لكل ساحر ومشعوذ، فحينئذ قد سلك نبينا محمد مسلك الزجر في جملة من المواطن، وترك الصلاة على أقوام أحياناً مع أنهم من أهل الإسلام حتى ينزجر غيرهم، فكان عليه الصلاة والسلام إذا أتي بجنازة ليصلي عليها سأل: (هل عليه دين؟) إن قالوا: لا، صلى عليه، وإن قالوا: عليه دين، سأل: (هل ترك لدينه وفاء؟) فإن قالوا: نعم، صلى الله النبي عليه الصلاة والسلام، وإن قالوا: لا، لم يصل عليه النبي عليه الصلاة والسلام، فعل ذلك إلى أن أغناه الله فقال: (أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم من ترك كلاً أو ضياعاً فعلي، ومن ترك مالاً فلورثته)، هكذا قال عليه الصلاة والسلام.

فالشاهد أن المدين مسلم ومع ذلك كان عليه الصلاة والسلام يترك الصلاة عليه قبل أن يوسع الله سبحانه على نبيه محمد عليه الصلاة والسلام، وهذا للترهيب من الدين، ومن أكل أموال الناس، ومن المماطلة في سداد الديون، فإن ترك أهل الفضل الصلاة عليهما معاً من أجل أن ينزجر القوم، ولا يجعلوا ميتهم يصلى عليه مع هذا الماجن وهذا الساحر، فحينئذ هذا وجه سديد سلكه بعض العلماء، والزجر بالهجر وارد، والأدلة عليه كثيرة متعددة كما لا يخفى عليكم، هذا ما أردنا أن نلفت النظر إليه.