للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم الزيادة على إحدى عشرة ركعة]

وهل للمصلي أن يزيد عن إحدى عشرة ركعة أو لا يزيد؟ سنجيب بإيجاز واختصار: له أن يزيد، أما ما ورد عن أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها: (ما زاد رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان ولا في غيره عن إحدى عشرة ركعة)، فمتعقب من وجوه: أولاً: هذا الخبر ثابت عن أم المؤمنين عائشة، لكن ينبغي إذا درسنا مسألة من مسائل الفقه أن نأخذ بجميع الأدلة التي وردت فيها، لا نأخذ بحديث واحد، وإلا فالخوارج ضلوا ضلالاً بعيداً، بسبب أنهم أخذوا ببعض الأدلة وتركوا البعض، فهم جاءوا إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة قاطع)، وقالوا: إن قاطع الرحم يخلد في النار، وفي المقابل ضلت المرجئة ضلالاً بعيداً، بسبب أنهم أخذوا بحديث: (من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة)، وقالوا: إيمانه على إيمان جبرائيل وميكائيل مهما عمل من المعاصي، وتركوا آيات الربا وآيات القتل، وسائر الآيات التي وردت في مرتكبي الكبائر والصغائر.

إذاً: علينا أن نعمل بجميع الأدلة، فحديث عائشة رضي الله عنها: (ما زاد رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إحدى عشرة ركعة).

ثانياً: قد ورد من حديث أم المؤمنين عائشة أيضاً وأخرجه البخاري عنها في الصحيح: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في الليل ثلاث عشرة ركعة)، فقال بعض أهل العلم: إن الركعتين الزائدتين تحمل إما على سنة العشاء أو على نافلة الفجر، وهذا القول مدفوع؛ لأن قولها: كان، يفيد المداومة، ثم أيضاً قد ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قام من الليل، فصلى ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم أوتر)، فكان ذلك ثلاث عشرة ركعة.

وورد نحوه من حديث زيد بن خالد الجهني رضي الله تعالى عنه عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، والمثبت مقدم على النافي.

ثالثاً: أن حديث عائشة رضي الله عنها فيه وصف لصلاة رسول الله عليه الصلاة والسلام، قالت: (كان يصلي أربعاً لا تسأل عن حسنهن وطولهن -أي: أربعاً طويلة- ثم يصلي أربعاً لا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يوتر بثلاث)، فإذا رُمت موافقة سنة الرسول عليه الصلاة والسلام فستأخذ بالسنة صفة وعدداً، لا تأخذ السنة من ناحية العدد وتترك السنة من ناحية الصفة، فإذا جاء شخص وقال: إني قد صليت إحدى عشرة ركعة في عشر دقائق أو في نصف ساعة، هل نقول: إنك أصبت سنة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم؟ صحيح أنه أصابها من ناحية العدد، ولكنه لم يصبها من ناحية الصفة.

فإذا أردت الموافقة، فلتوافق في الصفة ولتوافق في العدد، لكن هب أنني جئت أوافق في الصفة فوجدت المصلين معي لا يطيقون ولا يتحملون، بل وأنا أيضاً لا أطيق ولا أتحمل صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكيف أصنع؟ قال العلماء: إذا قصرت في الصفة فزد في عدد الركعات؛ وذلك حتى تصل إلى أحب القيام إلى الله قيام داود، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أحب القيام إلى الله قيام داود)، ولم يضبطه النبي بعدد، بل ضبطه النبي بزمن، فقال عليه الصلاة والسلام: (أحب القيام إلى الله قيام داود، كان ينام نصف الليل، ويقوم ثلثه، وينام سدسه)، فالرسول عليه الصلاة والسلام ضبطه بالزمن وليس بالعدد، وكذلك قوله تعالى: {كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} [الذاريات:١٧] ضبطٌ بالزمن، وكذلك: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ} [الزمر:٩] أي: ساعات الليل، ضبطٌ كذلك بالزمن، فلذلك قال مالك رحمه الله: أستحب ستة وثلاثين ركعة، لماذا -يا مالك - وأنت رويت حديث أم المؤمنين عائشة في صلاة الرسول صلى الله عليه وسلم إحدى عشرة ركعة؟! فيرى هو وأصحابه وعموم جمهور العلماء: أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان يصلي في بيته إحدى عشرة ركعة يطول كما يشاء، كما قال عليه الصلاة والسلام: (إذا صلى أحدكم لنفسه فليطول كيف يشاء)، لكن إذا كنت تصلي بالناس فتراعي حال المأمومين.

وهنا بعض المناقشات الفقهية الخفيفة: هل إطالة القراءة مع قِلّت عدد الركعات أفضل أم التخفيف في القراءة والإكثار من عدد الركعات؟ فيرى البعض: أن طول القراءة أفضل؛ لحديث النبي عليه الصلاة والسلام: (أفضل الصلاة طول القنوت) أي: طول القراءة فيها.

ويرى آخرون: أن الإكثار من السجود أفضل؛ لحديث: (أعني على نفسك بكثرة السجود).

والأمر في هذا واسع، والنظر إلى حال المأمومين أمر مهم.

رابعاً: أن هناك عمومات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفادت تجويز الزيادة على إحدى عشرة ركعة، منها حديث: (صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشيت الصبح فأوتر بواحدة)، وهذا في الصحيحين، وحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (إنك لن تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة أو حط عنك بها خطيئة)، وحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (ليصل أحدكم نشاطه فإذا فتر فليقعد)؛ وللحديث الذي سمعتموه آنفاً: (إنك لن تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة)، وقوله: (أعني على نفسك بكثرة السجود)، وغير ذلك كثير كثير.

أما ما ورد عن عمر رضي الله تعالى عنه من جمع الناس على أبي بن كعب على إحدى عشرة ركعة، فقد ورد أيضاً من عدة طرق يشد بعضها بعضاً أنه جمعهم على أبي على ثلاث وعشرين ركعة.

وجمع العلماء بين ذلك كـ البيهقي رحمه الله، فقال: فعل ذلك أحياناً، وفعل ذلك أحياناً، وهو الصحيح؛ لعلة وهي: أنه خرج عليهم وهم يصلون في الليل فقال: نعمت البدعة هذه والتي ينامون عنها أفضل، وفي رواية أخرى: أنهم كانوا ينتهون عند بزوغ الفجر من الصلاة، فدل هذا على التنويع كما اختاره البيهقي رحمه الله تعالى.