للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ضرورة الإمساك عن الكلام إلا الكلام الحسن]

فإذا لم يكن في الكلام فائدة فأمسك عن الكلام فهو خير لك، واحفظ ماء وجهك أمام الناس، وإذا كان لزاماً أن تتكلم وأن تتخاطب مع الناس فلا يسعك حينئذ إلا الامتثال لأمر الله، ألا وهو: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} [البقرة:٨٣]، وقوله: {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الإسراء:٥٣] وقوله تعالى: {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا} [الإسراء:٥٣]، وقال سبحانه كذلك: {وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت:٣٤]، وقال تعالى في شأن أهل الإيمان أولي الألباب: {وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ} [الرعد:٢٢]، وفيها وجهان لأهل العلم: الوجه الأول: أنهم إذا شُتِموا، أو سُبوا، أو لُعِنوا من أحد قابلوا ذلك بعفوٍ وبصفح وبإحسان، بل وبدعاء لمن ظلمهم ولمن أساء إليهم.

الوجه الثاني في قوله تعالى: {وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ} [الرعد:٢٢] أي: يتبعون السيئة الحسنة كما في قوله تعالى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود:١١٤]، وكما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (وأتبع السيئة الحسنة تمحها) فلزاماً عليك إذا تخاطبت مع الناس أن تتكلم بالكلمة الطيبة وبالكلام الجميل الحسن، فإن الكلمة الطيبة شعار للمتكلم بها، فالطيبون تصدر منهم الكلمات الطيبة، والخبثاء والشريرون تصدر منهم الكلمات الخبيثة، وتصدر منهم الكلمات الشريرة، قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ} [النور:٢٦] وعلى رأي أكثر المفسرين أن المراد بها: الكلمات والعبارات الخبيثة تصدر من الخبيثين، وقوله تعالى: {وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ} [النور:٢٦] المراد بها: أن الصالح يحرص على الزواج بالصالحة والعكس بالعكس، وهذا أيضاً وجه للمفسرين.

فالكلمة الطيبة شعار لقائلها، وعلامة على طيب قائلها، وعلى حسن خلق قائلها، والكلمة الخبيثة عكس ذلك، ثم الكلمة الطيبة تصعد إلى السماء، فتفتح لها أبواب السماء قال الله سبحانه: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر:١٠]، أما الكلمات الخبيثة فقد اجتثت من فوق الأرض كالشجرة الخبيثة {مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ} [إبراهيم:٢٦]، ثم إن الكلمة الطيبة صدقة كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الكلمة الطيبة صدقة)، ثم أيضاً الكلمة الطيبة تتقى بها النار، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (اتقوا النار ولو بشق تمرة، فمن لم يجد فبكلمة طيبة)، فبالكلمات الطيبة تذهب الشحناء وتزال من القلوب، وبالكلمات الطيبة تحل المشاكل بين العباد، وترفع الخصومات التي بينهم، وبالكلمات الطيبة تثبت المودة والمحبة في القلوب.

فكم من مشكلة حلت بسبب كلمة طيبة! وكم من جريمة دفعت بسبب كلمة طيبة! وكم من صلات قد قويت بين الأرحام بسبب كلمات طيبة.

وعلى العكس فكم من جريمة قد ارتكبت بسبب وشاية وبسبب كلمة خبيثة! وكم من نيران قد سعرت بسبب الوشايات من النمامين! وكلمات النمامين الخبيثة! بل حروب بين دول قد وقعت بسبب كلمات خبيثة وكلمات شريرة!