للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم بيع التقسيط]

السؤال

سمعت تحليل فضيلتكم للبيع بالتقسيط، فما الدليل على ذلك علماً بأن أكثر أهل العلم الموجودين سمعت منهم التحريم؟

الجواب

كلامك على حد سماعك، وإلا فجل علماء السعودية -بمعنى: الأكثر- يفتون بالجواز، أما الأدلة على جواز البيع بالتقسيط مع زيادة السعر فمنها: الدليل الأول: قوله تعالى: {أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة:٢٧٥] وهذا بيع.

الدليل الثاني: حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (البيعان بالخيار)، وهذا بيع، والبائع فيه بالخيار.

فأصل البيوع جائزة لهذين الدليلين؛ لأن الرسول باع واشترى، فنقول للقائل: ما هو المانع أصلاً؟ إذا كان عندنا الأصل الثابت: أن البيوع حلال، {وَما أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الأَسْوَاقِ} [الفرقان:٢٠]، فأصل البيوع حلال، فالذي يمنع صورة من صور البيوع يمنعها بدليل، ويشترط في الدليل الصحة، والصراحة، أي: أن يكون الدليل صحيحاً صريحاً في البيع أو نصاً في البيع.

أما القائلون بمنع بيع البائع بالتقسيط مع زيادة السعر، فقد تشبثوا بحديث واحد وهو: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيعتين في بيعة وقال: من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الربا)، فمن ناحية الصحة قوله: (فله أوكسهما أو الربا)، ضعيف لا يثبت، الثابت: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيعتين في بيعة)، هذا الثابت، فقلنا لهم: إن الحديث غير واضح المعنى، فما معنى: (نهى رسول الله عن بيعتين في بيعة)؟ قالوا: أن تبيع السلعة بثمن نقداً وبثمن أعلى إلى أجل، فنجيب عليهم: إننا لا نرتضي هذا التفسير؛ لأن الأكثرين على تفسير آخر، ولأن السلعة إذا بيعت بثمن نقداً وبثمن أعلى إلى أجل إنما بيعت بيعة واحدة، إما بيعت بثمن ما نقداً، أو بيعت بثمن ما إلى أجل، فهي بيعة واحدة، فما هو تفسير العلماء للبيعتين في بيعة؟ أما الذين قالوا بالجواز كـ ابن القيم وغيره وعدد كبير من العلماء قالوا: معنى أن تباع السلعة بيعتين أي: أن السلعة نفسها تباع بيعتين كما في الحديث، فمثلاً: أن أبيع هذه السلعة بعشرة لأحمد إلى أجل، فأحمد اشترى مني السلعة وعليه لي عشرة جنيهات، ثم أحمد نفسه يبيعني نفس السلعة التي اشتراها بعشرة يبيعها لي بثمان جنيهات نقداً، فيكون مديناً لي بعشرة جنيهات، والذي أخذه مني ثمانية، فالسلعة بيعت بيعتين بين بائع ومشتر، بيعت مرة من المشتري للبائع، ومرة من البائع للمشتري، مرة نقداً ومرة ديناً، فكانت كالحيلة للوصول إلى الربا، فهذا تفسير البيعتين في بيعة.

ويستدل لما سبق بأثر -وإن كان فيه كلام- لكن ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في أكثر من أربعين موضعاً تقريباً في مجموع الفتاوى، وهو أثر زيد بن أرقم وفيه: أن امرأة أتت إلى عائشة فقالت: (يا أم المؤمنين! إني بعت زيداً عبداً نسيئة بثمانمائة درهم أو دينار، واشتريته منه نقداً بستمائة) فقالت لها عائشة: (أخبري زيداً أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يتوب) وإن كان في الأثر إلى عائشة كلام، لكن هي صورة البيعتين في بيعة، فكذا قال عدد كبير من العلماء.

فعلى ذلك: الذي يقول بالتحريم ليس معه بحث مضن، وقد قابلت عالماً فاضلاً ألف في هذه الجزئية كتاباً يمنع، وهو الشيخ عبدالرحمن عبدالخالق حفظه الله، فسألته: هل يوجد في الباب دليل يمنع غير هذا الحديث؟ قال: ليس هناك شيء إلا هذا مع بعض الأقيسة في هذا الباب.

أقول: مادام هذا وقد اختلف معك غيرك في تفسير البيعتين في بيعة فلا معنى بالتحريم؛ لأن الأقيسة قد تخون الشخص عند تقرير الأحكام.

مثلاً: مسائل الربا تختلف عن البيوع، والرسول صلى الله عليه وسلم جاء إليه رجل بتمر، فقال له: (من أين أتيت بهذا التمر الجيد؟ هل كل تمر المدينة هكذا)، قال: (لا يا رسول الله كان عندي صاعان من تمر رديء فاشتريت بهما صاعاً من تمر جيد) فمن ناحية العقل أنه يجوز ذلك، لو تقول لي: عندنا صاعان من تمر الواحد بخمسين جنيهاً، وهناك صاع تمر بمائة جنيه، فالعقل يقتضي أنه يجوز لي أن أعطيك الصفيحة التي بمائة وآخذ الصفيحتين اللتين بمائة، لكن الرسول نهى وقال: (بع تمرك واشتر حيث تشاء)، فمن ناحية العقل يقرها، لكن الرسول منع، فالبيع شيء حلال والربا شيء حرام، وهذا هو الظاهر لي والله تعالى أعلم، ومن أراد المزيد فليرجع إلى كلام العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى في هذا الباب.

ويا حبذا لو رجعتم لكلام الأوائل، والصورة التي وصفناها من البيعتين في بيعة التي اخترناها وذكرناها الإمام الشافعي يجيزها إذا لم يكن هناك تواطؤ، فالإمام الشافعي يقول: إذا جاءت عفواً، أي: أنت اشتريت مني ثم بعت لي بدون تواطؤوتخطيط، فهذا حلال؛ لأن الأصل أن البيع حلال.