للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الصدقة]

فهذا الذي سمعتموه أعمال صالحة يزكي بها العبد نفسه، ولكن ثم أعمال بر وصلاح متعدية النفع إلى العباد، ومنها: الصدقات، لقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (اتقوا النار ولو بشق تمرة)، قال عليه الصلاة والسلام في مطلع هذا الحديث: (ما منكم من أحد إلا وسيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان، فإن استطاع أحدكم أن يتقي النار ولو بشق تمرة فليفعل، فإن رجالاً يوم القيامة ينظرون عن أيمانهم فلا يرون إلا النار، وينظرون عن شمائلهم فلا يرون إلا النار، وينظرون إلى الأمام فلا يرون إلا النار فاتقوا النار ولو بشق تمرة) أو كما قال صلى الله عليه وسلم.

فجدير بكل مسلم أن يكون متعدي النفع إلى غيره من العباد، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أُجرت عليها حتى ما تجعل في فيِّ امرأتك)، وقال النبي عليه الصلاة والسلام: (إذا تصدق أحدكم بصدقة من كسب طيب ولا يقبل الله إلا الطيب؛ فإن الله سبحانه يقبلها بيمينه، فيربيها لأحدكم كما يربي أحدكم فلوه أو مهره، حتى تأتي يوم القيامة كالجبل العظيم).

فجدير بكل منكم أن يتأمل قوله تعالى: {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر:٩]، وأن يتأمل قوله تعالى: {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا * إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا} [الإنسان:٩ - ١٠]، ويتأمل كذلك حديث النبي عليه الصلاة والسلام إذ قال: (ما من يوم تطلع فيه الشمس إلا وينزل ملكان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقاً خلفاً، والآخر يقول: اللهم أعط ممسكاً تلفاً)، وليتذكر أحدكم قوله تعالى: {وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [سبأ:٣٩]، وليتذكر كذلك أصحاب الجنة الذين تمالئوا على البخل وتمالئوا على الشح وتمالئوا على حرمان الفقراء فأقسموا {لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ * وَلا يَسْتَثْنُونَ} [القلم:١٧ - ١٨]، فكان من أمرهم وأمر جنتهم أن {طَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ * فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ * فَتَنَادَوا مُصْبِحِينَ} [القلم:١٩ - ٢١] إلى أن قال تعالى: {فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ * قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ * عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ} [القلم:٣٠ - ٣٢].

فليتأمل أحدكم ذلك كله، ولتعلم أن بطنك لن تشكرك، ولكن يشكر لك ربك سبحانه حسن صنيعك، فاجعل طعامك يوماً بدل اللحم فولاً، وتصدق بالفارق على الفقراء، فما هي إلا دقائق معدودة وتستوي أنت ومن طعم الفول ومن طعم البطاطس، وإنما هي بطن تملأ وجوف يعبأ، (ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب) كما قال رسول الله عليه الصلاة والسلام، فالكل يستوي، والعاقبة للتقوى: {وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَرَدًّا} [مريم:٧٦].

فيوم من الأيام من سنتك أن تأكل فيه لحماً، فآثر الفقراء على نفسك وقدم اللحم لهم، فإنك إن فعلت ذلك وقيت النار بإذن الله، كن حريصاً على أُخراك كحرصك على دنياك، تستوي الجبنة الرومي مع الطعمية والكل سواء، وفارق ذلك ادفعه لمسكين أو يتيم، يبارك الله لك في أهلك وفي بدنك وفي أموالك، فالدنيا أمرها إلى زوال، وعاقبتها إلى فناء.