للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ابتلاء الأنبياء والرسل]

معشر الإخوة: لسنا بدعاً من الخلق، فقد ابتلي آباؤنا من قبلنا؛ ابتلي أبونا آدم صلى الله عليه وسلم، ولكن قدر الله وما شاء فعل، ابتلي آدم بشجرة -وهذا أمر الله وقضاؤه- فأخرج من الجنة، قال الله له ولزوجه: {كُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأعراف:١٩]، ولكن جاءه إبليس الغوي ليغويه، ويقول له: {يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى} [طه:١٢٠]، وأيضاً أقسم له بالله على ذلك كما قال تعالى: {وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ} [الأعراف:٢١]، فأنزلهما عن رتبة الطاعة بخداع، فلما عصيا أمر ربهما نزع عنهما ستره كما قال تعالى في كتابه الكريم: {يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا) [الأعراف:٢٧]، وهكذا تفعل المعاصي تعري بعد ستر -والعياذ بالله- قال تعالى: {يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا} [الأعراف:٢٧] ظهرت العورات وانكشفت بسبب المعصية، {وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ} [الأعراف:٢٢] حتى يسترا عوراتها، نعوذ بالله من الفضائح! ثم تاب الله عليهما.

ثم جاء ابنا آدم وابتلي أحدهما بالآخر فقتله.

وجاء نوح فابتلي بوصف قومه له بالكذب، وهو الصالح العاقل النبي الكريم الحليم الرشيد صلى الله عليه وسلم، نوح العاقل الكريم أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض يتهم بأنه كذاب وبأنه مجنون، ومن أشق أنواع الابتلاء أن تبتلى بابن يقول عنك: إنك كذاب، أو بأب يقول عنك: إنك كذاب، أو بجيران كذلك، وأنت الصادق النزيه، فابتلي نوح عليه السلام بهذا النوع من أنواع الابتلاء، وهو أشق أنواع الابتلاء على النفس، كما قالت عائشة: (يا رسول الله! هل أتى عليك يوم هو أشد من يوم أحد؟ -تعني: أشد عليك من هذا اليوم الذي شج فيه رأسك، وكسرت فيه رباعيتك، وبقر فيه بطن عمك حمزة فاستخرجت كبده فلاكته امرأة- قال: نعم يا عائشة! لقد لقيت من قومك ما لقيت وكان أشد ذلك علي أنني خرجت يوماً أعرض نفسي على عبد ياليل بن عبد كلال فكذبني وردني)، فكان هذا أشق على رسول الله عليه الصلاة والسلام من شج رأسه، ذهب إلى رجل يدعوه إلى الله، ويبين له طريق الخير والشر، فيقول له: ارجع فأنت كذاب، ابتلي نوح بهذا النوع من هذا البلاء.

أما الخليل إبراهيم عليه السلام فتعددت بلاياه، ابتلي بالعقم وعدم الإنجاب، ابتلي بلقاء الجبابرة، ابتلي بعد ذلك بالولد حيث رزق به، ثم أمر بذبح الولد، كما قال ربنا: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} [الصافات:١٠٦ - ١٠٧].

وابتلي موسى وقال الله في شأنه: {وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا} [طه:٤٠].

وابتلي سليمان عليه السلام، فقال تعالى: {وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ} [ص:٣٤]، وقبله أبوه داود قال تعالى: {وَظَنَّ دَاوُدُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ * فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ} [ص:٢٤ - ٢٥].