للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حق الزوج في خدمة زوجته له]

هل من حق الزوج في البيت على زوجته أن تقوم بخدمته، أم أن هذا من الأمور المستحبة؟ يستحب للمرأة استحباباً شديداً أن تخدم في بيت زوجها، وذلك هو شأن النساء الصالحات وفضليات النساء من نساء الأنبياء وبنات الأنبياء رضي الله تعالى عنهن.

فهذه سارة كما ذكرها الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم، لما أقبل الأضياف على زوجها قال سبحانه: {وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ} [هود:٧١] أي: قائمة على خدمة الأضياف.

وجاءت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى النبي صلى الله عليه وسلم لما سمعت بمقدم رقيق -أي: خدم- إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشكت إلى عائشة رضي الله تعالى عنها ما تلقى في يديها من أثر الرحى التي كانت تطحن بها، وطلبت منها أن تنقل شكواها إلى رسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم ونقلت له عائشة ما لقيت فاطمة من أثر الرحى في يديها؛ إذ يداها تشقت من العمل الشاق المرهق المتعب في طحن البر وإدارة الرحى، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة وعلياً وقال لهما (ألا أدلكما على ما هو خير لكما من خادم؟ تسبحان عند النوم ثلاثاً وثلاثين، وتحمدان ثلاثاً وثلاثين، وتكبران أربعاً وثلاثين؛ فذلكم خير لكما من خادم)، استنبط منه العلماء أن ذكر الله يورث قوة في البدن تعوض عن الخدم.

وقبل أن ننتقل من هذه المسألة يطرح سؤال مفاده: هل يشرع تواجد الخدم في البيت؟ أو أن الأولى ترك الخدم؟ ورد في باب الخدم الذي سمعتموه من قول رسول الله لـ علي وفاطمة: (ألا أدلكما على ما هو خير لكما من خادم) وأرشدهما الرسول إلى التسبيح والتحميد والتهليل، لكن بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه كان به الخدم، في قصة ذهاب النبي إلى بعض أزواجه فأتى الخدم بصحفة من عند بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، فقامت الزوجة التي عندها رسول الله فقلبت الصحفة وهي في يد الخادم.

فأثبت هذا الحديث وجود الخدم في بيت رسول الله، وكذلك في بيت أبي بكر الصديق قالت أسماء بنت أبي بكر رضي الله تعالى عنها -وهذا في باب خدمة المرأة لزوجها-: (كنت أسوس فرس الزبير وأجمع له النوى وأدق النوى قالت: ثم أتى إلى أبي بكر الخدم فأرسل إليّ خادماً فكأنما أعتقني).

فالخادم يجوز اتخاذه إذا وجدت سعة في ذلك.

مع أن الأولى والأفضل ما أرشد إليه رسول الله، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يختار لأهل بيته الأفضل خاصة ابنته فاطمة رضي الله تعالى عنها، باعتبارها سيدة نساء أهل الجنة، كان الرسول صلى الله عليه وسلم يختار لها الأكمل والأفضل.

وقد ذهب النبي صلى الله عليه وسلم إليها ذات ليلة فوجد على بابها ستراً موشياً فلم يدخل البيت ورجع مغضباً، فأرسلت فاطمة في إثره علياً تقول له: ماذا صنعت يا رسول الله، لم تدخل البيت؟ فقال: ما هذا الستر؟ قالت: يا رسول الله! مرني فأصنع به ما تشاء.

قال: (أرسلي به إلى بيت فلان) أهل بيت لهم فيه حاجة، فأرسلت فاطمة رضي الله تعالى عنها بهذا الستر إلى أهل البيت؛ فكان الرسول صلى الله عليه وسلم يختار لأهل بيته الأفضل.

ففي باب خدمة المرأة لزوجها شكت فاطمة ما تجد من أثر الرحى في يديها لرسول الله، وقالت أسماء: كنت أسوس فرس الزبير وأعلفه، وأجمع له النوى وأدق له النوى، وكان ذلك على بعد ثلاثة فراسخ من مدينة رسول الله.

وأيضاً في الباب قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لـ جابر: (يا جابر! تزوجت؟ قال: نعم يا رسول الله! قال: بكراً أم ثيباً؟ قال: بل ثيباً يا رسول الله! قال: هلا بكراً تلاعبها وتلاعبك، وتضاحكها وتضاحكك.

فقال: يا رسول الله! إن عبد الله قد توفي وترك لي تسعة أخوات بنات، فخشيت أن أجيهن بفتاة خرقاء لا تحسن صحبتهن، فتزوجت بامرأة ثيب تحسن صحبتهن، وتمشطهن وتقوم بخدمتهن) أخذ من هذا أيضاً أن حال النساء على عهد رسولنا محمد عليه الصلاة والسلام كان في خدمة الأزواج.

وقال صلوات الله وسلامه عليه كذلك: (لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقه عليها)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم لامرأة: (أذات زوج أنتِ؟ قالت: نعم يا رسول الله! قال: كيف أنتِ منه؟ قالت: ما آلوه إلا ما عجزت عنه -أي: لا أقصر في حقه إلا في شيء لا أطيقه- قال: انظري أين أنتِ منه؟ فإنما هو جنتك أو نارك)، وجاءت فتاة إلى رسول الله مع أبيها وأبوها يشكوها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (يا رسول الله! إن ابنتي هذه أبت أن تتزوج، فقالت: يا رسول الله! والذي بعثك بالحق لا أتزوج حتى تخبرني بحقي على زوجي وبحق زوجي عليَّ، قال: لو كانت به قرحة فلحستها ما أدت حقه، قالت: إذاً والذي بعثك بالحق لا أتزوج.

قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تنكحوهن إلا بإذنهن).

وبهذا استدل فريق كبير من أهل العلم بل الجمهور على أن النكاح لا يجب على المرأة، حتى ابن حزم الظاهري الذي أبعد في مسائل النكاح مباعد شتى لم يقل بوجوب النكاح على النساء لهذا الحديث ولغيره.

ومن الأدلة التي سيقت في باب خدمة النساء للرجال في البيوت ما ورد عند ابن أبي شيبة بإسناد فيه ضعف فحواه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى على علي رضي الله عنه بالخدمة الظاهرة، وقضى على فاطمة رضي الله عنها بالخدمة الباطنة) ولكن إسناد هذا الخبر لا يثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام.

ومما استدل به كذلك على مسألة خدمة المرأة لزوجها قول الله جل ذكره: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة:٢٢٨]، هذه عمدة استدلالات من قال باستحباب خدمة المرأة لزوجها في البيت في حدود استطاعتها وفي حدود طاقتها.

وجمهور أهل العلم يرون أن هذه الخدمة على الاستحباب وليست على الإيجاب، فليس هناك نص صريح يوجب عليها الخدمة فهي إما نصوص تبين حال الفضليات، والصحابيات، فقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم سؤالاً صريحاً في هذا الصدد فقيل له: (يا رسول الله! ما حق أحدنا على زوجته؟ فقال صلوات الله وسلامه عليه -في مجمل الروايات-: ألا تمنع نفسها وإن كانت على قتب) أي: إذا دعاها إلى الجماع لا تمنعه نفسها، وفي روايات أخر (وألا تجلس أحداً على تكرمته إلا بإذنه) وفي روايات أخر: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه) أي: صوم التطوع.

قالوا: فهذه الحقوق وجبت بنصوص: (لا تمنعه نفسها وإن كانت على قتب)، (وألا تأذن لأحد في بيته إلا بإذنه) و (ألا تصوم إلا بإذنه)، وكذلك الخروج من البيت لا تخرج إلا بإذنه، قالت أم المؤمنين عائشة لرسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث الإفك: (يا رسول الله! ائذن لي أن آتي أبوي، فأذن لها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم)، فدل ذلك على أن خروجها من البيت يكون بإذن، ودل على الاستئذان أيضاً قوله صلوات الله وسلامه عليه: (إذا استأذنكم نساؤكم إلى المساجد فائذنوا لهن).

بقي مبحث آخر يتعلق بما ذكر وهو إذا كان الزوج غائباً هل يلزم المرأة أن تستأذنه في صوم التطوع؟ للعلماء في ذلك وجهان: أحدهما: لا يلزمها أن تستأذنه في صوم التطوع، وذلك لأن النبي قال: (لا يحل لامرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه) أي حاضر إلا بإذنه، فإذا لم يكن الزوج شاهداً فلا ينتحل هذا الحديث، ثم إن المعنى الذي من أجله تمتنع عن الصوم غير موجود.

أما الذين قالوا: تستأذن -وهم قلة- فقالوا: إن له الحق في أن تكون زوجته ذات جمال ووسامة، ومن حقه أن يؤدي بها إلى ما يتعفف به، فهذا هو الوجه في ذلك.

نرجع إلى الذي كنا بصدده وهو: مسألة خدمة المرأة لزوجها، فرأى فريق من العلماء وهو الجمهور: أن ذلك يستحب لها استحباباً شديداً، ورأى آخرون الوجوب، والقائلون بالاستحباب أكثر، والله سبحانه أعلم.