للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حال كثير من المسلمين في عشر ذي الحجة]

العجيبٌ والغريب من إخوة ظاهرهم السنن، والصلاح؛ أن المؤذن يؤذن وهم في عملهم غافلون! الصلاة تقام وأحدهم يفتح دكاناً ينجر نجارةً يخيط ثوباً يبيع في البقالة، ما هذا الغباء المستحكم يا عباد الله؟! {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [المنافقون:٩]، هذا كلام الله، الرجل ينتظر أن يرجع إلى امرأته فتقول له: كم رزقت من مال؟ لا تقول له: كم صليت من صلاة في جماعة؟! ولا كم تلوت من آية؟ لا.

تقول له: كم ربحت؟ فيجتهد هذا الغبي المتجاهل المتغافل عن الذكر، ويغفل عن قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [المنافقون:٩]، صدق الله سبحانه! ومن أصدق من الله قيلاً؟! جديرٌ بك يا أيها الأخ البقال! أن تغلق المحل عند الأذان فوراً ولا تتباطأ.

جدير بك أيها الأخ الذكي! أن تغلق أي محل وتغفل أي عمل عند الأذان، إذا سمعت قول القائل: حي على الفلاح، أي غباء أصابك وأنت لا تجيب المؤذن؟ قال لك: حي على الفلاح، يعني: أقبل على السعادة أقبل على الخير أقبل على الفوز، ولكن أهل الجهل لا يعلمون.

جدير بكل طبيب أن يغلق العيادة حين سماع المؤذن.

بعض إخواننا يجهلون أو يتجاهلون عند أن يترك عاملاً أو عاملين من البالغين في المحل أن هذا لا يجوز، كأن الصلاة ليست مكتوبة على العمال! بل الصلاة مكتوبة عليك وعلى عاملك، وبئس العامل الذي يقف في المحل والصلاة تقام، بئس العامل، وليس بأمين ذلك العامل الذي يستأجر فيترك الصلاة، ويقف في الدكان، ابنة يعقوب صاحب موسى عليه السلام تلك الفتاة الذكية تقول لأبيها: {يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ} [القصص:٢٦]، قد تترك المحل -وفيه العامل- وتذهب للصلاة فيسرقك العامل جزاءً وفاقاً، قد ورد في حديث صحيح -العبرة منه ورادة-: أن رجلاً كان يقرض أمواله للناس، الدرهم بدرهمين -وهو حديث إسناده ثابت صحيح- وعلى هذه الوتيرة طيلة حياته، فجمع الأموال كلها، فوضعها في صندوق وسافر بها على الباخرة، وغفل ونام فجاء قردٌ ففتح الصندوق، وجعل يرمي ديناراً في البحر ويضع ديناراً على جانب في المركب، حتى أتى على الدنانير كلها، ألقى نصفها في البحر وأبقى نصفها في المركب، صحيحٌ أن متاع الدنيا ألقي، لكن هل يعذبه الله في الآخرة؟! نقف عن هذا فالله تعالى أعلم، لكن ربنا سبحانه وتعالى قد قال: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ} [البقرة:٢٧٩]، فالحرام يذهب جفاء، والحلال يمكث في الأرض ينفع الله به الناس.

فيا معشر الإخوة! -وخصوصاً الملتحين- كونوا قدوة حسنة في هذه الأبواب، إذا سمعتم داعي الله ينادي: حي على الصلاة، فامتثلوا قول ربكم، امتثلوا قول إخوانكم من الجن المؤمنين: {يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الأحقاف:٣١]، وهنا يبرز اليقين فيما عند الله.

فالتقي الذكي يفهم أن الرزق لن يفوت وأنه مدخر وباقٍ، قال النبي عليه الصلاة والسلام -في الحديث الذي حسنه بعض العلماء-: (إن روح القدس نفث في روعي، أن نفسا لن تموت حتى تستوفي أجلها ورزقها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب)، وفي بعض الروايات: (ولا يحملنكم استبطاء الرزق على أن تنالوه بمعصية الله عز وجل)، وللحديث شواهد عامة في كتاب الله ومن سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام، فالرزق مسطر لك ومقدر، وأنت في بطن أمك يكتب لك رزقك، ويكتب لك أجلك، فاتق الله وأجمل في الطلب، وما أدراك أن المال الكثير فيه خيرٌ لك؟! من أدراك بذاك؟! ومن أعلمك به؟! وربنا يقول: {وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ} [الشورى:٢٧]، ويقول ربنا: {كَلَّا إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى} [العلق:٦ - ٧]، {وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الإِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ} [الإسراء:٨٣]، فالمال ليس بخير في كل حال، إلا إذا اكتسب من الحلال وأنفق في الحلال، واتقى الله العبد فيه، فاستغفروا ربكم معشر الإخوة! وأنيبوا إليه من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون، اتقوا ربكم وارجعوا إليه من قبل: {أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ * أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [الزمر:٥٦ - ٥٧]، فهذه آيات الله بين أيديكم، وعلى مسامعكم فاتلوها وتدبروها، وفقنا الله وإياكم لكل خير، اللهم! أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً فنضل، واجعلنا للمتقين إماماً، اللهم! رطب ألسنتنا بذكرك، اللهم! رطب ألسنتنا بذكرك، وبالصلاة على نبيك محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، اللهم! احشرنا مع الذاكرين لك كثيراً والذاكرات، اللهم! منّ علينا بذكرك كثيراً يا رب العالمين! اللهم! اجعلنا من الذاكرين الله كثيراً ومن الذاكرات يا رب العالمين! اللهم! غنمنا الخير حيث كنا، وغنمنا السلامة حيث كنا يا رب العالمين! وامنن علينا جميعاً -يا ربنا- بالحشر مع نبينا محمد عليه الصلاة والسلام في الفردوس، وامنن علينا وتفضّل بالسقيا من حوضه يا رب العالمين! يا أكرم الأكرمين! وصل اللهم وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.