للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الإكثار من الدعاء بالثبات حتى الممات]

وقد كان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يكثر من الدعاء فيقول: (اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك)، وكان أهل الإيمان يقولون: {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا} [آل عمران:٨]، فيا عباد الله! سلوا الله الثبات على الإيمان حتى الممات، وسلوا الله التوفيق للعمل الصالح، فالموفق من وفقه الله، والمسدد من سدده الله، ثم سلوا الله سبحانه لأنفسكم ولعموم المؤمنين المغفرة من الذنوب، فعمموا في دعواتكم بعد التخصيص، خصوا أنفسكم، وخصوا أهليكم بالدعاء، ثم عمموا الدعاء لسائر المؤمنين والمؤمنات كما كان الأنبياء يفعلون، قال نوح: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا} [نوح:٢٨]، فبدأ بنفسه: {رَبِّ اغْفِرْ لِي} ثم بوالديه {وَلِوَالِدَيَّ}، ثم بأصدقائه: أتباعه وأقاربه: {وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا}، ثم عمم فقال: {وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا}.

وهكذا أيضاً ملائكة الرحمن يقولون كما قال تعالى: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ} [غافر:٧]، ثم يقولون: {رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُم} [غافر:٨] وليسوا هم فقط، بل {وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [غافر:٨]، وكذلك يأمر ربنا نبيه عليه الصلاة والسلام فيقول: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [محمد:١٩]، وكذلك يقول تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر:١٠].

فإذا دعوت بدعوة فعمم بعد التخصيص، ففي تعميمك دعاءٌ بظاهر الغيب لإخوانك، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (ما من مسلم يدعو لأخيه بظهر الغيب إلا وعنده ملكٌ موكل يقول: آمين ولك بمثل)، فإذا سألت الله أن يصرف عنك المرض، وعن أبنائك وعن إخوانك، فسل الله أن يصرفه عن عموم المؤمنين، وإذا سألت الله أن يفرج عنك الكرب، فسل الله أن يفرج أيضاً عن كل مكروب من المسلمين، وهكذا فاغنم أنت أجر الدعاء بظهر الغيب، ويقيض الله سبحانه لك بعد موتك، بل وفي حياتك من يدعو لك بظهر الغيب، كما دعوت أنت لأهل الإسلام، واستغفروا لذنوبكم، ولذنوب المسلمين والمسلمات، استغفروا الله لأنفسكم، ولآبائكم ولأمهاتكم، فماذا عساه أن يغنم منك أبوك بعد موتك، إلا مقولة منك: اللهم اغفر لأبي، اللهم اغفر لي ولوالدي.

فيا عبد الله! عمم بعد التخصيص، اللهم اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم، ربنا اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات يا رب العالمين! اللهم ارحم أمواتنا وأموات المسلمين يا رب العالمين، ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا، ربنا ولا تحمل علينا إصراً كما حلمته على الذين من قبلنا، ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به، واعف عنا واغفر لنا وارحمنا، أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين.

اللهم خذ بيد كل ضال من شباب المسلمين، وفتيات المسلمين، ورجال المسلمين، ونساء المسلمين يا رب العالمين! خذ بأيدينا وأيديهم جميعاً إلى البر والتقوى، ووفقنا لما ترضى من العمل.

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.