للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[النبي صلى الله عليه وسلم يصل إلى المدينة]

علم أهل المدينة بمقدم رسول الله عليه الصلاة والسلام، وكانوا يخرجون لانتظاره عند الحرة كل يوم، لا يرجعهم إلى بيوتهم إلا حر الشمس، ثم إن أهل المدينة رجعوا ذات يوم من حر الشمس، وكان رجل من اليهود قد صعد على نخلة من نخيل المدينة يتابع الحدث، فرأى النبي وأبا بكر قادمين، فنادى بأعلى صوته: يا أهل المدينة هذا جدكم الذي تنتظرون قد وصل، فخرجوا إليه جميعاً مسرعين، أغلبهم لا يعرفه يظنه أبا بكر، فلما رأوا أبا بكر يقبل على خدمته، يأتيه من الأمام ومن الخلف يحرسه، علموا أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقبلوا إليه والتفوا عليه يقبلونه، مستبشرين بقدومه، وأضاءت المدينة يوم أن دخلها النبي عليه الصلاة والسلام، وإن لم يكن الضوء حقيقة، لكن أضاءت كما يقول بعض أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، وأظلمت يوم وفاته عليه الصلاة والسلام، أظلمت في وجوه أقوام وأضاءت في وجوه أقوام.

دخل النبي والكل يأخذ بزمام ناقته، ونبينا يقول: (دعوها فإنها مأمورة) ثم نزلت ناقته عند بني النجار، وهذا بأمر الله تبارك وتعالى، ثم شرع النبي في بناء المسجد.

هذا باختصار شيء من هجرة النبي عليه الصلاة والسلام، ذلكم النبي الكريم، الذي ترك الأرض والديار وخرج من مكة وعيناه تذرفان الدمع، وهو يقف على جبل وينظر إلى بلاده، ينظر إلى مكة وإلى دياره في مكة ويقول: (والله إنكِ أحب بلاد الله إلى الله وأحب بلاد الله إليَّ، ولولا أن قومكِ أخرجوني منكِ ما خرجت).

وقبل نبيكم محمد هاجر الأنبياء كذلك،: {فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي} [العنكبوت:٢٦] {قَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الصافات:٩٩]، فكما قال ربكم جل وعلا: {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ * كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} [العنكبوت:٥٦ - ٥٧].

فاذكروا معشر الإخوة! نبيكم محمداً عليه الصلاة والسلام، واذكروا أنكم دخلتم في عام جديد، فاسألوا الله التوفيق لصالح الأقوال، ولصالح الأعمال، ولصالح النوايا كذلك، دخلتم في شهر الله محرم، وأفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم، فأكثروا من الصيام في هذا الشهر الكريم، فما زلتم في الأشهر الحرم، ومحرم منها فلا تظلموا أنفسكم، ولا تظلموا إخوانكم، وبادروا إلى الخيرات، واستبقوها، وأكثروا من الدعاء لإخوانكم ولأخواتكم المؤمنين والمؤمنات، أكثروا من الاستغفار لكل من سبقكم بإحسان من أهل الإيمان، بل وللمسيئين من أهل الإيمان، {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر:١٠].

اللهم يا ولي الإسلام وأهله، ثبتنا على الإسلام والإيمان حتى نلقاك، اللهم يا ولي الإسلام وأهله انصر المجاهدين في سبيلك في كل مكان، وارفع رايتهم فوق كل الرايات، اللهم اشف مرضانا ومرضى المسلمين، وأرحم موتانا وموتى المسلمين، واقض الدين عن المدينين، وفك أسرى المسلمين.

وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.