للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[عدد ركعات قيام الليل في رمضان]

السؤال

كم عدد ركعات قيام الليل في رمضان؟

الجواب

ورد عن أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت: (ما زاد رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة، كان يصلي أربعاً لا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي أربعة لا تسأل عن حسنهم وطولهن، ثم يوتر بثلاث)، فأخذ بعض علمائنا يرحمهم الله تعالى من هذا الحديث: أن صلاة الليل لا يزاد فيها على إحدى عشرة ركعة.

أما جمهور العلماء: فرأوا أن الأمر أوسع من ذلك، وذلك للآتي ذكره: وبين يدي ذكر أقوال العلماء وذكر استدلالاتهم ننبه على أمرٍ من الأهمية بمكان كبير، ألا وهو: أننا عند دراسة أي مسألة من مسائل الفقه نأخذ بكل الوارد فيها، ثم نصدر حكماً ينتظم جميع الوارد، ولا نبني على دليل واحدٍ ونترك باقي الاستدلالات، فحديث عائشة رضي الله تعالى عنها المذكور ثابت صحيح بلا شك، ولكن قد ورد عن أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها بسند صحيح أيضاً في الصحيح وغيره: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة)، وكذلك ورد عن عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما في الصحيح وغيره: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قام من الليل فصلى ركعتين، ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين، ثم أوتر)، فكان المجموع: ثلاث عشرة ركعة.

وكذلك ورد نحو هذا من حديث زيد بن خالد الجهني رضي الله تعالى عنه، وكذلك ورد في هذا الباب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشيت الصبح فأوتر بواحدة)، أي: توتر لك ما قد صليت، وكذلك ورد في هذا الباب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة)، فكل هذه لا بد أن تؤخذ في الاعتبار.

وهذا القول له وجاهته وله استدلالاته: أن العبرة في قيام الليل ليست بعدد الركعات، إنما هي بزمن القيام لله، بمعنى: إذا صلى شخص إحدى عشرة ركعة في عشر دقائق، وصلى آخر أربع ركعات في ساعة كاملة بطمأنينة، قالوا: فالعبرة في زمن القيام، واستدلوا لذلك بأن الله قال: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} [المزمل:١ - ٤].

قالوا: فالتعويل هنا على الزمن وليس على عدد الركعات.

وكذلك قوله تعالى: {لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ} [آل عمران:١١٣] أي: ساعات الليل، وكذلك قوله تعالى: {كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} [الذاريات:١٧]، وكذلك قول الرسول عليه الصلاة والسلام وهو يصف أحب القيام إلى الله الذي هو قيام داود عليه الصلاة والسلام، فيقول: (كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه)، أي: أن النبي صلى الله عليه وسلم فسر أحب القيام بأنه ثلث الليل، فهذا التفسير بناءً على الزمن ليس بناءً على عدد الركعات.

ولذا ذهب جماهير العلماء إلى أن صلاة الليل لم تؤقّت بتوقيت عدديٍ معين، بل للشخص أن يصلي كما يشاء من الليل؛ إذ ليست هناك ساعات من الليل نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة فيها، فإذا قال قائلٌ: أنا سأصلي إحدى عشرة ركعة اتباعاً للعدد الوارد عن رسول الله، فنقول: قد ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة ركعة أيضاً، ثم نقول: إذا أردت أن توافق سنة النبي الكريم عليه الصلاة والسلام -وهي خير السنن على الإطلاق- فانظرها كيف كانت، فقد كان يسجد السجدة كما في هذا الحديث التي ذكرته عائشة: (قدر ما يقرأ أحدكم خمسين آية)، فإذا كنت ستصلي منفرداً كما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يصلي في بيته منفرداً، وتطيق أن تسجد سجدة قدرها خمسين آية؛ فالأولى لك أن تصلي بهذه الطريقة في بيتك وحدك، أما إذا كنت إمام قوم وستصلي بهم تلك الصلاة التي صلاها الرسول صلى الله عليه وسلم في بيته، فمن ثم ستشق على المصلين، وسينفض عنك الناس.

ولذلك فإذا أردت أن توافق السنة فوافقها صفةً وعدداً، أما أن تصلي عشر ركعات أو إحدى عشرة ركعة في نصف ساعة وتظن أنك وافقت السنة، وتبدّع الذين يصلون ساعتين أو ثلاث ساعات، فهذا ليس عليه سلفك الصالح يرحمهم الله، وقد قال عطاء رحمه الله تعالى وهو من أجلة التابعين: (أدركت الناس يصلون ثلاثاً وعشرين ركعة).

هذا وقد ورد في هذا الباب: أن عمر رضي الله عنه جمع الناس على أُبي بن كعب رضي الله عنه على إحدى عشرة ركعة، وفي رواية: أنه جمعهم على أبي على ثلاث وعشرين ركعة، والجمع بين الروايتين ممكن، وقد ذهب إلى الجمع بين الروايتين الإمام البيهقي رحمه الله تعالى فقال: في رواية: أن عمر قال: (نعمت البدعة هذه والتي ينامون عنها أفضل) لما رأى الناس قد اجتمعوا على أُبي بن كعب ففهم من هذا أنهم كانوا يصلونها أول الليل، ثم رواية أخرى عن أبي أنهم كانوا ينصرفون عند بزوغ الفجر، فكانوا يصلون أحياناً في أول الليل، وأحياناً يصلون عند بزوغ الفجر، فلا يمتنع أن يكون أُبي صلى أحياناً بإحدى عشرة وأحياناً صلى بثلاث وعشرين ركعة.

وقد قال عدد من أهل العلم: إذا أطلت في القيام فقلل في عدد الركعات، وإذا خففت في القيام فزد في عدد الركعات حتى تصل إلى أحب القيام، وهو قيام داود الذي هو ثلث الليل، والله تبارك وتعالى أعلم.