للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[موعظة لقمان الحكيم لابنه]

بين أيدينا موظعة لقمان الحكيم لابنه، وبين يدي الموعظة يقدم ربنا سبحانه وتعالى ثناءً على الواعظ حتى تتقبل موعظته، وتبلغ محلها من القلوب، فيقول تعالى مقدماً تلك الموعظة: {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} [لقمان:١٢]، يثني ربنا سبحانه وتعالى على الواعظ الحكيم لقمان فيقدم مقدمةً بين يدي تلك الموعظة بقوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ} [لقمان:١٢].

فيذكر ربنا أنه آتى لقمان الحكمة؛ فعلى ذلك يستعد لاستقبال ما يعظ به لقمان، فالذي أثنى عليه هو ربه تبارك وتعالى، فمن ثمّ ينبغي أن تستقبل موعظته بآذان صاغية واعية.

أما عن لقمان فلم يرد له ذكرٌ في الكتاب العزيز إلا في هذا الموضع، ولم يرد له ذكرٌ في الثابت الصحيح -فيما علمت- من سنة النبي صلى الله عليه وسلم إلا في حديث ضعيف: (خير السودان ثلاثة: بلال ولقمان ومهجع مولى عمر بن الخطاب) رضي الله عنه، إلا أن الخبر لا يثبت، فعلى هذا يكتفى بتعريف لقمان من الوارد في هذه الآيات، بيد أن روايات من الموقوفات على الصحابة أو التابعين ومن الإسرائيليات أفادت مطلقةً على ذلك أن لقمان كان عبداً أسود حبشياً قصيراً ذا مشافر -أي: شفاه عظيمة- عظيم القدمين مشقق القدمين، فهذه كلها في الجملة في نظرنا صفات دمامة، إلا أن الحكمة غطت هذا كله، قال تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:١٣].

فهو وإن كان أفطس الأنف أسود الوجه ذا مشافر مشقق القدمين لكن الحديث يقول: (إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أجسادكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وإلى أعمالكم)، وقال صلى الله عليه وسلم: (التقوى هاهنا) -وأشار صلوات ربي وسلامه عليه إلى صدره ثلاث مرار.

قال تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ} [لقمان:١٢]، فنعم ما أوتي لقمان؛ إذ الله تعالى قال: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا} [البقرة:٢٦٩]، ونبي الله قال: (من يرد الله به خيراً يفقه في الدين).

وكل نعمة تحتاج إلى شكرٍ يلائمها ويناسبها، فقال تعالى: {أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ} [لقمان:١٢] أي: حتى تزداد عليك هذه النعم قدم لله شكراً يوازيها، وقدم لله شكراً يكافئها.

فحتى تزداد علينا نعم ربنا يلزمنا أن نقدم لها شكرا، قال تعالى: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم:٧].

قال تعالى: {أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ} [لقمان:١٢]، عائدة شكرك فعائدة عليك، وشكرك عائدٌ أثره الجميل عليك، وإلا فالله غني عن العالمين، قال تعالى: {وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} [لقمان:١٢]، فإن الله غني عنه وعن شكره، حميدٌ للشاكرين.