للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[طلب يوسف من إخوته المجيء بأخيه الشقيق]

قال تعالى: {جَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ * وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنزِلِينَ} [يوسف:٥٨ - ٥٩]، يقول أهل العلم من المفسرين: إن هذا الأخ هو (بنيامين)، أما سنة النبي صلى الله عليه وسلم فلم يرد فيها تسمية لهذا الأخ، إلا أن جمهور المفسرين على أن هذا الأخ هو (بنيامين).

قال يوسف لإخوته: {قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ} [يوسف:٥٩] هو شقيق يوسف صلى الله عليه وسلم، {أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنزِلِينَ * فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلا كَيْلَ لَكُمْ عِندِي وَلا تَقْرَبُونِ} [يوسف:٥٩ - ٦٠]، يقول أهل العلم في ذلك: إنه يستحب للقائم على الأمور أن يستعمل الشدة في محلها، وأن يستعمل اللين في محله كذلك، وقد جمع يوسف صلى الله عليه وسلم بين هذا وذاك في قوله: {أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنزِلِينَ} [يوسف:٥٩]، ثم عرج على الشدة ولوح بالتهديد في قوله: {فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلا كَيْلَ لَكُمْ عِندِي وَلا تَقْرَبُونِ} [يوسف:٦٠]، ونحو ذلك وارد في قول ذي القرنين إذ قال الله له: {يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا * قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا * وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا} [الكهف:٨٦ - ٨٨]، فاللين وإن كان أفضل لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه)، ولقول الرسول صلى الله عليه وسلم كذلك: (إذا أراد الله بأهل بيت خيراً أدخل عليهم الرفق)، لكن إن احتيج إلى الشدة اتجه إليها كذلك، وقد قال سليمان عليه السلام: {مَا لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ * لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ} [النمل:٢٠ - ٢١]، فأخذ من ذلك: أن اللين له محله والشدة لها محلها كذلك.

قال يوسف صلى الله عليه وسلم: {أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنزِلِينَ} [يوسف:٥٩] أي: أنا خير من أكرم الأضياف، فإكرام الضيف خصلة يمتدح بها الشخص، وقد حث على ذلك نبينا محمد صلى الله عليه وسلم حيث قال عليه الصلاة والسلام: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه)، وقال صلى الله عليه وسلم: (أيما رجل نزل بقوم فلم يقروه، كان له أن يأخذ منهم بقدر قراه)، وما زال الناس يذمون البخلاء، فيقول شاعرهم: رأيت الفضل متكئاً ينادي الخبز والسمك فزمجر حين أبصرني ونكس رأسه وبكى فلما أن حلفت له بأني صائم ضحك وأحسن من ذلك: قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من سيدكم يا بني عمرو بن جموح؟ قالوا: يا رسول الله! الجد بن قيس على أنّا نبخّله، فقال عليه الصلاة والسلام: وأي داء أدوأ من البخل؟) قال يوسف الصديق صلى الله عليه وسلم: {فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلا كَيْلَ لَكُمْ عِندِي وَلا تَقْرَبُونِ * قَالُواْ سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ} [يوسف:٦٠ - ٦١] {قَالُواْ سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ} والمراودة: هي المطالبة برفق.