للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أخذ يوسف لأخيه]

{وَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [يوسف:٦٩].

{آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ} أي: ضمه إليه {قَالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} وفيه دليل على أن شقيق يوسف لاقى عناء وشدة أيضاً هو الآخر بعد غياب أخيه صلى الله عليه وسلم، ومن ثَم سلاّه وجبر خاطره بقوله: {فَلا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [يوسف:٦٩].

قال تعالى: {فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ} [يوسف:٧٠] السقاية: هو صواع الملك، {ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ} أي: نادى منادٍ {أَيَّتُهَا الْعِيرُ} أي: يا أصحاب العير! يا أصحاب الإبل! {إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ * قَالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ مَاذَا تَفْقِدُونَ} [يوسف:٧٠ - ٧١] {قَالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ} أخذ من ذلك: أن المتهم إذا كان بريئاً فإنه يكون جريئاً، فهؤلاء جاءوا ولم يهربوا ولم يشردوا، وحتى العجماوات تفهم ذلك، يقول بعض العلماء: إن القطة إذا كانت بجوارك، وأنت تأكل سمكاً فألقيت إليها سمكة فإنها تأكلها بجوارك آمنة مطمئنة، لكنها إذا سرقت السمكة فإنها تأخذها وتهرب، فكأنه قذف فيها معرفة الحلال من الحرام بما أودعه الله سبحانه فيها.

قال تعالى: {قَالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ مَاذَا تَفْقِدُونَ * قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف:٧١ - ٧٢].

{وَأَنَا بِهِ} يقوله المنادي {زَعِيمٌ} أي: ضمين، وأخذ من هذا حكم يتعلق باللقطة، فإذا وجد شخص لقطة في الطريق عليه -كما هو معلوم- أن يعرّفها إذا كانت من ذوات القيمة، فإن نادى منادٍ فقال: يا أيها الناس! فقد مني كذا وكذا، ولمن يأتني به كذا وكذا فلا جناح على الذي وجده أن يقبله؛ لأن الآية فيها: {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} لكن ليس لمن وجدها أن يشترط ذلك، لكن إن أعطي شيئاً فله أن يقبل للآية الكريمة: {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف:٧٢].

قال الله تعالى: {قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ} [يوسف:٧٣].

{قَالُوا تَاللَّهِ} أي: والله، فأحرف القسمة ثلاثة: الواو والباء والتاء، تقول: والله، وبالله، وتالله، {لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ * قَالُوا فَمَا جَزَاؤُهُ إِنْ كُنتُمْ كَاذِبِينَ * قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ} [يوسف:٧٣ - ٧٥] أي: من يوجد هذا الصواع في رحله يؤخذ كعبد مسترق لصاحب الصواع، وقد كان هذا في شريعة يعقوب عليه السلام، فنحن في شريعتنا شريعة محمد عليه الصلاة والسلام أن السارق تقطع يده، أما في شريعة يعقوب فكان السارق يؤخذ كعبد مسترق مقابل السرقة، بمعنى: أن يأخذه صاحب المتاع المسروق كعبد مسترق مقابل السرقة، وفي الروايات الإسرائيلية على ما سيأتي عند قوله تعالى: ((إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ)) أن عمة يوسف كانت قد أحبته في صغره حباً شديداً فطلبته من أبيه يعقوب فأبى عليها يعقوب ذلك، فدست له شيئاً أي: يوسف واتهمته به حتى تضمه وتؤيه إليها، وهذا من الإسرائيليات التي لا ينبغي أن تصدق ولا تكذب، ولكنها تفيد في بعض البيان والله تعالى أعلم.

قال تعالى: {قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ} [يوسف:٧٥] أي: في شريعة يعقوب، فشرائع الأنبياء تتنوع لكن أصل الدين وهو التوحيد ثابت، قال الله سبحانه: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} [المائدة:٤٨] لكن الأصل واحد لقوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء:٢٥].

قال الله: {فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} [يوسف:٧٦].

{قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ} لنفي التهمة، {ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ} فالذي دبر هذا ويسره ليوسف هو الله، فالمعلَّم من علمه الله؛ وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله خلق كل صانع وصنعته).

{كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} فليدرك كل عالم ذلك {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} [يوسف:٧٦].

{قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ} [يوسف:٧٧] قالوا وأبانوا عما في صدورهم تجاه أخيهم: {إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ} يعرضون بيوسف عليه الصلاة والسلام.