للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مرض الشرك وعلاجه]

تعتري القلوب أمراض أعظمها مرض الشرك والرياء والعياذ بالله! مرض الشرك علاجه أن تقول كمسلم: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، يأتي مرض الرياء الذي خافه علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم جميعاً، وذكر أن هذا المرض من أصيب به سعرت به نار جهنم عياذاً بالله من ذلك، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أخوف ما أخاف على أمتي الشرك الأصغر، قالوا: وما الشرك الأصغر يا رسول الله؟! قال: الرياء) وفي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أول من تسعر بهم النار يوم القيامة ثلاثة: رجل عالم أتي به فسئل: ماذا عملت في علمك؟! فيقول لله عز وجل: يا رب! تعلمت فيك القرآن، وعلمته للناس، فيقال: كذبت، ولكنك تعلمت ليقال: عالم، فيؤخذ به فيلقى في النار) فأول الناس هؤلاء الثلاثة توقد بهم جنهم، كما تبدأ في إشعال النار بالكبريت! والثاني رجل مجاهد مراءٍ (أتي به فعدد الله نعمه عليه وقال له: ماذا عملت فيها؟! فقال: يا رب! قاتلت فيك وقتلت، فيقال: كلا، ولكنك قاتلت ليقال: جريء، فيؤخذ به فيلقى في النار) وهذا ذكره الإمام البخاري في باب: لا يقال: فلان شهيد.

والثالث: (رجل آتاه الله من صنوف المال فتصدق، فأتي به يوم القيامة، فقيل له: ماذا عملت في المال؟ قال: يا رب! أنفقت في سبيلك وتصدقت، فيقال: لا، ولكنك تصدقت ليقال: هو محسن، وقد قيل فيؤخذ فيلقى في النار)، هؤلاء الثلاثة أول من تسعر بهم النار، أفعالهم التي فعلوها فعل خير، لكن قلوبهم ملوثة، لوثت بالرياء منهم عياذاً بالله، فأحبط الرياء أعمالهم، يأتي أقوام بكم هائل من الحسنات في الظاهر، لكنهم عملوها رياء الناس، فكما قال تعالى: {وَالَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا} [النساء:٣٨].

فمرض الرياء من أخطر الأمراض التي ترد على القلب، وكما سمعتم كان سبباً في إسعار النار وإيقادها بهؤلاء الثلاثة: العالم والمجاهد والمتصدق.

ما هو علاج مرض الرياء؟ الاستعاذة بالله من مرض الرياء، وقد ورد في علاجه حديث تكلم فيه، ألا وهو حديث أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم علمه فقال له: (قل: اللهم! إني أعوذ بك أن أشرك بك شيئاً وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم)، والحديث منازع في تحسينه وتضعيفه، ومن حسنه حسنه لأنه في باب فضائل الأعمال، فهذا أحد أنواع علاج الرياء.

هناك علاجات أخرى أقوى وأعظم وهي: البعد عن الناس، ومراجعة النفس، والصلاة بالليل والناس نيام، فتعمد أن تبتعد عن الناس في ليلك، وتصلي في الليل حيث لا يراك إلا الله سبحانه وتعالى، واجتهد بعد أن تتعوذ بالله من عين لا تدمع أن تذرف دمعات لله سبحانه وتعالى حيث لا يراك الناس، فالنبي صلى الله عليه وسلم ذكر السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، ومنهم: (ورجل ذكر الله خالياً) أي: بعيداً عن الناس، (ففاضت عيناه)، فتعمد -كي تكسر هذا المرض، وتبعده عن نفسك- أن تعمل الخيرات سراً، رسولنا صلى الله عليه وسلم كان نائماً في لحاف عائشة رضي الله عنها ذات ليلة، فنام صلى الله عليه وسلم، ونامت عائشة فانتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ظن أن عائشة قد نامت، فتسلل صلى الله عليه وسلم وتركها نائمة وهي أقرب الناس إليه، زوجه، تسلل من الفراش، واتجه عليه الصلاة والسلام إلى المقابر في البقيع في الليل حيث لا ضوء ولا يراه الناس، ولا يوجد كهرباء بل ظلام دامس، اتجه إلى البقيع حيث مقابر أصحابه الذي دفنوا في حياته صلى الله عليه وسلم، وهو يعرفهم فقال لهم: (السلام عليكم -أهل الديار- من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون) فسلم عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعا لهم عليه الصلاة والسلام بما شاء الله أن يدعو، ثم انصرف، ولا يخفى عليكم أن عائشة تبعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وظنت عائشة أنه ذهب إلى بعض أزواجه كظن النساء الضعيف، فاتجهت بعده إلى المقابر، فرآها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأسرعت إلى البيت ثم اضطجعت في السرير، فلما جاء ورآها قال: (مالك يا عائشة حشيا رابية؟) أي: مالك أرى نفسك يعلو وينخفض، ثم قال: (لتخبريني أو ليخبرني اللطيف الخبير! قالت: مهما يكتم الناس يعلمه الله يا رسول الله! ثم قصت عليه الخبر، فقال: أتخافين أن يحيف الله عليك ورسوله؟! قالت: فلهدني في صدري لهدة أوجعتني) صلى الله عليه وسلم، فمن علاج مرض الرياء أن تصلي بالليل والناس نيام، تجتهد وتذهب تتصدق سراً، قال سبحانه: {وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ} [البقرة:٢٧١].

عليك أن تخلو بنفسك وتكثر من الاستغفار كما قال الخليل صلى الله عليه وسلم: {وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا} [مريم:٤٨]، فلا تجعل كل أفعالك الخيرة ظاهرة أمام الناس، اجعل لنفسك قسطا من الخير لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى، اجعل لنفسك نصيباً من الخير لا يعلمه إلا خالقك سبحانه وتعالى، تتقرب به إلى الله عز وجل، وقد قال ابن القيم رحمه الله: إن الصالحين كانوا يحرصون على كتمان أحوالهم مع الله إلا في الحالات التي تستدعي أن يتأسى بهم الناس، وأنشد ابن القيم رحمه الله تعالى في ذلك أبيات شعر، فقال: من سارروه فأبدى السر مجتهداً لم يأمنوه على الأسرار ما عاشا وأبعدوه فلم يظفر بقربهم وأبدلوه مكان الأنس إيحاشاً لا يأمنون مذيعاً بعض سرهم حاشا ودادهم من ذلكم حاشا حث رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم على الصدقة، فقال: عمر في نفسه ولم يقل لأحد من الناس: (إن الرسول صلى الله عليه وسلم حث الناس في هذه الليلة على الصدقة، ودائماً أبو بكر يسبقني فيتصدق، فلأتصدقنّ الليلة، فحمل نصف ماله ووضعه بين يدي رسول الله، فقال له: ما أبقيت لأهلك؟ قال: مثله، ثم جاء أبو بكر بماله كله فقال له رسول الله: ما أبقيت لأهلك؟ قال: أبقيت لهم الله ورسوله! فقال عمر: والله! لا أسابقك بعد اليوم أبداً يا أبا بكر).

إذا حصل لك نوع كرامة من الله فلا تحدث الناس على سبيل التعالي على أنك كريم عليهم، بل إذا حدثت تحدث بنعم الله عليك شاكراً لأنعمه سبحانه وتعالى.