للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[البعد عن مواطن الريبة]

هناك أمور أخر تكون سبباً في أذى الآخرين، عليك أن تتقيها، فمثلاً: لا تقف في موقف شبهات فيأتي الشيطان يقذف في قلب أخيك شراً تجاهك، فيقال: هذا الرجل وقف في هذا الموقف ينتظر فتاة ينتظر مخدرات ينتظر حشيشاً فيقذف في قلب الناس تجاهك شراً، ورسولنا خير معلم يعلمنا حتى تكون قلوبنا سليمة، فكان يمشي مع صفية يقلبها إلى منزلها في الليل لما جاءت تزوره في المعتكف، فراءه رجلان من الأنصار فأسرعا، فقال: (على رسلكما إنها صفية) فقالا: سبحان الله! يا رسول الله! يعني: كيف تظن أننا نظن بك أنك واقف مع امرأة أجنبية؟! قال عليه الصلاة والسلام: (إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شيئاً)، فالشيطان يأتي ويقذف في قلبك شيئاً، فحتى تحافظ على قلوب إخوانك المسلمين عليك ألا تضع نفسك في مواقف الشبهات، فتجعل الشيطان يعان علينا، وحتى تحافظ المرأة على قلوب الرجال يقول تعالى: {فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ} [الأحزاب:٣٢]، المرأة وهي تتحدث مع الرجل لا تخضع بالقول لكن تتكلم بطبيعتها، ولا ترقق، النساء في هذا على قسمين: منهن من تخضع بالقول.

ومنهن من تصرخ صراخاً، والوسطية مطلوبة في كل شيء، تتكلم المرأة كما كانت النسوة على عهد رسول الله يتكلمن، لم يرد أنهن تواطأن كلهن على وضع الأيدي على الفم أثناء الكلام، فلا تخضع بالقول، ولا تشدد على نفسها، كأن تضع شيئاً على فمها بل تتكلم كما تتكلم المرأة على طبيعتها بدون خضوع بالقول، وبدون تشديد على نفسها.

نساء النبي خير من تأسى بهن نساؤنا يقول الله تعالى لهن: {فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا} [الأحزاب:٣٢]، واعلم أن قلبك قد يظلم بسبب حديثك مع امرأة ترقق لك صوتها، وهي قد تكون دميمة جداً! فترقق لك صوتها حتى تقع في الحبال، فقلبك يظلم عياذاً بالله! قال تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} لماذا نسألهن من وراء حجاب؟ قال: {ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} [الأحزاب:٥٣] هذا السؤال من وراء حجاب أطهر لقلوبكم يا رجال! وأطهر لقلوبكن يا نساء! هذا هو كلام الله، فما يأتي بعد ذلك واحد سمج سخيف الرأي يصافح المرأة ويضغط على يدها ويقول: الإيمان في القلب يا عم الشيخ! سماجات وسخافات أيها الإخوة! وختاماً: علينا جميعاً أن نفعل ما فعله رسولنا عليه الصلاة والسلام سواء مع الناس أو مع أنفسنا، فكان هناك أقوام قلوبهم ضعيفة، إيمانهم ضعيف، فسموا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: المؤلفة قلوبهم، قلوبهم تريد أن تخرج من الإسلام، فالرسول عليه الصلاة والسلام كان يعطيهم العطية، حتى تسكن قلوبهم إلى الإسلام، مسلك حسن في تأليف القلوب البعيدة الشاردة عن الدين، كيف تؤلف القلوب البعيدة الشاردة عن الدين؟ تؤلفها بشيء من المال، بهدية تجلب المحبة في القلب.

وبالنسبة لأنفسنا نكثر من التعوذ من قلب لا يخشع، فرسولنا عليه الصلاة والسلام كان يكثر من ذلك فيقول: (اللهم! إني أعوذ بك من قلب لا يخشع، وعلم لا ينفع، ونفس لا تشبع، ودعاء لا يسمع)، وكان يقول أيضاً: (اللهم! اجعل في قلبي نورا)، كان يسأل ربه سبحانه وتعالى أن يجعل في قلبه نورا (وفي لساني نوراً، وفي سمعي نوراً، وفي بصري نوراً، ومن أمامي نوراً، ومن خلفي نوراً)، وكان يطلب من الله أن يغسل قلبه، فالقلب أبيض في الأصل، أي: قلب المؤمن، فيأتي الذنب تلو الذنب فيسوده، وكلنا خطاء كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم (والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم وجاء بقوم يذنبون) وقوله: (كتب على ابن آدم نصيبه من الزنا مدرك ذلك لا محالة: العين تزني وزناها النظر، واليد تزني وزناها البطش) إلى آخر الحديث، فكل هذه الذنوب تسبب على القلب أوساخاً وسواداً، فرسولنا يقول معلما لنا: (اللهم! اغسل قلبي من الذنوب والخطايا)، اغسله من الذنوب والخطايا ليس بالنار، إنما (اغسل قلبي من الذنوب والخطايا بالماء والثلج والبرد، اللهم! نق قلبي من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس)، فعلمنا رسولنا صلى الله عليه وسلم هذا الدعاء، حتى يأتي القلب يوم القيامة وهو أبيض سليم من الآفات التي تتسرب إليه.