للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ضرورة الامتثال لسنة النبي صلى الله عليه وسلم ظاهراً وباطناً

ذكرنا هذا حتى لا يتصور أن إخواننا الملتحين ملائكة، فهم بشر تجري عليهم أحكام البشر كلها، وإن امتثلوا سنة الرسول عليه الصلاة والسلام في لحيتهم فإن هناك أخلاقاً أخرى غير اللحية يجب أن تمتثل أيضاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، إنه ثم أقوام جبلت ألسنتهم على الغيبة والطعن في الأعراض، ثم هداهم الله إلى سنة النبي في اللحية فالتحوا، ولكن مازالت باقية فيهم سنة الغيبة والطعن في الأعراض، فليس هذا بضائر لدين الله أبداً وليس بضائر لعموم سنة رسول الله فإن الله قال: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام:١٦٤]، لكن جدير بمن امتثل سنة رسول الله في الظاهر أن يمتثلها أيضاً باطناً، وأن يتأدب بأخلاق النبي حتى لا تزل قدم بعد ثبوتها، فكم من شخص أراد الاستقامة ورامها فإذا وجد شخصاً ملتحياً يطعن في إخوانه المسلمين يقول: هؤلاء بعضهم ينحر في بعض! إذا وجد أخاً ملتحياً يغش في بيعه وفي شرائه قال: هؤلاء سنيون! وينتكس ولا يصل الأمر عند تركه للحية بل يترك الصلاة ويطعن في المصلين كذلك، وقد علمنا من كتاب ربنا أن الله قال: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام:١٦٤]، وفي كتاب ربنا: {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا} [الأنعام:١٦٤] وقال الله سبحانه: {أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى * وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى * أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى * وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى} [النجم:٣٦ - ٤٠]، فيا من امتثلتم سنة نبيكم عليه الصلاة والسلام في الظاهر التزموا أخلاق نبيكم كذلك، وتأدبوا بأخلاق النبي، ولا تظن أبداً أن السنة تكمن فقط في اللحية أو في الثوب، ماذا ينفعك امتثالك للسنة في أمر اللحية وأنت مغتاب للمسلمين والمسلمات؟ ماذا ينفعك امتثالك للسنة في أمر اللحية وقلبك أسود مظلم وأنت قاطع للأصحاب؟ إنه ثم أمور من أمور ديننا العظمى التي يجب أن تمتثل ولا يتخلى عنها، فالتخلي عنها يعتبر تخلياً عن ديننا.

فيا معشر الإخوة! التمسوا سنن نبيكم محمد عليه الصلاة والسلام، فأنتم تعلمون أن الخلق بينهم اختلافات طويلة، في الأخلاق وفي الأرزاق وفي الآداب وفي المعاملات وفي الذكاء وفي الغباء وفي الطول وفي القصر، فلتكن لنا مرجعية نرجع إليها لتحديد أي خلق نتخلق به ونقيس عليها الأمور، ولا مرجعية للمسلم إلا كتاب ربه وسنة نبيه محمد عليه الصلاة والسلام، فلزاماً علينا كمسلمين رضينا بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد رسولاً أن نقف على أوامر الله وأوامر رسوله، ننظر بأي الأخلاق نتخلق؟ وبأي الآداب نتأدب؟ وهل نحن على الجادة وعلى الطريق المستقيم؟ أم نحن في طريق يردينا؟ فلزاماً أن ندرك ذلك ابتداءً وعموماً.

معذرة -معشر المسلمين- لما يصدر من بعض الملتحين من زلات، معذرة إلى الله وإلى شرع الله من خطأ المخطئين، بل من خطأ أنفسنا، فدين الله يؤخذ من كتاب الله ويؤخذ من سنة رسول الله، ويفترض أنه يؤخذ من أهل الامتثال للكتاب والسنة، ولكن إن صدر خلق مشين فإن الله قال: {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا} [الأنعام:١٦٤]، كما قد علمتم.

مسيرة نبيكم انظروها واقتبسوا من معينها، واقتبسوا من أخلاق نبيكم محمد عليه الصلاة والسلام ترشدوا وتهتدوا، ولزاماً أن يرضى كل منكم بما قضاه الله له، وإلا إذا لم يرض بما قضاه الله له فسيقع فيما لا طاقة له به، وسيهلك، ولا نقول: ارض بالأخلاق الدنيئة! أبداً، فلا ينبغي أن يستمر أحد على أخلاقه الدنيئة، بل ثم أمور لا طاقة لك بها كأن تكون خلقت فقيراً، أو خلقت ضعيف الخلق، أو خلقت دنيئاً، فهذه أمور لا طاقة لك بها، فقد جرت سنة الله على الاختلاف، حتى الاختلاف الجبلي: {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ} [الروم:٢٢] أي: من آياته الدالة على كمال قدرته.

فمن آيات الله سبحانه: أن ترى هذا جميلاً في غاية الجمال، ترى امرأة عليها مسحة جمال كأنها قطعة قمر، وترى امرأة في غاية الدمامة تسرب إليها الشيب قبل المشيب، وتسرب إليها الانحناء قبل الكبر والهرم، فتتعجب من إرادة الله! ولكن كما قال تعالى: {وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا} [الفرقان:٢٠]، فمثل هذه الأمور التي لا طاقة لك بها وإنما جبلت عليها على الشخص أن يكون راضياً بقضاء الله، فلا تقل أبداً: لماذا أضفى الله على هذا الشخص وجاهة ولم يضفها علي؟ لماذا وسع الله على هذا في الرزق؟ لماذا تفوق هذا الولد ولم يتفوق ولدي؟ كل هذه أمور قسمها الله، وهناك آباء يضربون أبناءهم ضرباً شديداً إذا أتى في الامتحان بـ (٩٠%)! لم تضربه يا أخي؟! يقول: كان يجب أن يأتي بـ (٩٥%)! يجب على من؟! إن النسيان واجب في حق بني آدم، فقد يذاكر الشخص الدرس غاية المذاكرة ثم ينساه، فهذا نبينا محمد قد نسي، قال عليه الصلاة والسلام: (يرحم الله فلاناً! لقد أذكرني آية كذا وكذا من سورة كذا وكذا كنت أنسيتها)، والناسي لا يعاتب أمام الله، فكيف تضرب ولدك وتقول له: لماذا أتيت بـ (٩٠%) وكان ينبغي أن تأتي بـ (٩٥%)؟! فأنت لا تملك أمر نفسك، وإن الله قادر على إذهاب عقلك فضلاً عن عقل ولدك، وإن الله قادر على أن ينسى ولدك كلما ذاكره في وقت هو في أشد الاحتياج إلى تذكره.

فيا معشر الإخوة! علينا أن نوطن أنفسنا على الرضا بقضاء الله وبقدره، فكم من شخص تقلد أرقى المناصب وضره -والله- منصبه؟! وكم من شخص جمع أكثر الأموال وضرته -والله- أمواله؟! ولا يخفى عليكم أن الذي تقلد أرقى المناصب زمن الخليل إبراهيم قال للخليل إبراهيم: {أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ} [البقرة:٢٥٨]، والذي تقلد أرقى المناصب زمن موسى عليه السلام يقول: {أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى} [النازعات:٢٤]، ويقول: {يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [القصص:٣٨]، ويقول عن نبي مرسل كريم من أولي العزم من الرسل: {أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ} [الزخرف:٥٢]، هكذا صنع به المنصب أن يقول هذه المقولة، وأما المال فلا يخفى عليكم أنه بلغ برجل أن قال: {مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا} [الكهف:٣٥] ثم قال: (وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً} [الكهف:٣٦]، هكذا حمله المال على الكفر والجحود إذ قال: (وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً}، ثم تطاول على رب العباد فقال: {وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنقَلَبًا} [الكهف:٣٦]، هكذا حمل المال أهله وأصحابه، وحملت الوجاهة قوماً على الكفر والاعتراض على رسالة محمد إذ بعث فيهم النبي عليه الصلاة والسلام فقالوا مقالتهم: {وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ * أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الزخرف:٣١ - ٣٢].

فيا عباد الله! افقهوا عن الله سبحانه أمره، وافقهوا عن الله فعله، وافقهوا عن الله تدبيره، وكونوا راضين بقضاء الله، إن الكبر والغرور والعجب والحقد حملت إبليس على الاستنكاف عن السجود لآدم، وإن الحقد والحسد حمل إخوة يوسف على قتل أخيهم يوسف، وعلى تخطئة أبيهم يعقوب.

فارضوا بقضاء ربكم، ووطنوا أنفسكم على اتباع سنة نبيكم محمد عليه الصلاة والسلام، واستغفروا ربكم إنه كان غفاراً.