للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الخلاف في وجوب سجود التلاوة]

وسجود التلاوة للعلماء فيه وجهان: أحدهما: أنه عزيمة وواجب.

وهو مذهب الإمام أبي حنيفة، واستدل بالأوامر في القرآن، حيث جاءت أكثر آيات السجدة بالأمر بالسجود في مواضع متعددة، فقال: هو واجب ولازم.

وذهب الجمهور إلى أنه ليس بواجب، واحتجوا بحديث أبي داود بسند صحيح أنه عليه الصلاة والسلام: أنه لما قرأ السجدة وتهيأ الصحابة أن يسجدوا قال: (على رسلكم، إنها ليست بعزيمة)، ولما رآهم تهيأوا للسجود نزل فسجد تطييباً لخواطرهم صلوات الله وسلامه عليه، فدل على أنها ليست بعزيمة.

ومما يؤكد هذه الآثار الصحيحة ما جاء عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقد روى عنه مالك في الموطأ أنه قرأ السجدة وهو في الخطبة أي: قرأ آية السجدة-، فنزل فسجد في أصل المنبر، فسجد الناس معه، ثم لما كانت الجمعة الثانية قرأها فتهيأ الناس للسجود، فقال: على رسلكم، إنها ليست بعزيمة -أي: سجود التلاوة ليس بعزيمة- وإنما هو فضل لا فرض)، ولذلك قال جمهور العلماء: إنه فضيلة وليس بفريضة.

أما استدلال الإمام أبي حنيفة رحمة الله ورضوانه عليه بما ورد من الأوامر بالسجود في الآيات فهو مردود بورود حديث السنة الذي يدل على صرف الأمر عن ظاهره من الوجوب إلى الندب.

كما أنه لو قيل بهذا الاستدلال -كما أجاب بعض العلماء- للزم المصلي أن يصلي عند كل آيةٍ فيها أمر بالصلاة، كقوله تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر:٢]، ولا قائل بهذا، فدل على أن الأمر بالسجود غير واجب كما أن الأمر بالصلاة غير واجب عند تلاوته الأمر بها.

فسجود التلاوة يشرع عند تلاوة الآية التي فيها سجدة.

<<  <  ج:
ص:  >  >>