للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[حكم استخدام حبوب منع الحمل]

السؤال

هل يجوز أن تأخذ زوجتي ما يمنع الحمل، وذلك لأجل الراحة من الحمل مدة معينة، وتُمنع بعد ذلك؟

الجواب

لقد ذهبت البركة في كل شيء، حتى النساء ذهبت منهن البركة، وقد كانت المرأة في القديم تضع أربعة عشر ولداً وخمسة عشر ولداً ويضع الله فيها البركة، ويكون من الخير ما الله به عليم، والمرأة الآن تجدها تحمل بمشقة وعناء، وتذهب تلتمس الرخص وتلتمس الأعذار، وتتكلف في ذلك حتى تحرم الأمة من الخير الذي يكون في النسل والذرية، فلولا الأبناء والأولاد لما خرجنا إلى هذه الدنيا، ولو كنا ولدنا في هذا العصر لكان كثير منا لم يوجد، بسبب تعاطي هذه الحبوب التي تمنع الحمل -نسأل الله السلامة والعافية-.

فمن الأمور التي ينبغي تنبيه النساء عليها وتذكيرهن بالله عز وجل فيها أن الشرع يقصد تكثير النسل وتكثير سواد الأمة، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (تناكحوا تناسلوا تكاثروا فإني مفاخر بكم الأمم يوم القيامة)، وكأنه يقول: شرع لكم النكاح من أجل الولد، وتجد المرأة تتبع الرخص من هنا وهناك وتحتج بأنها تتعب، والله عز وجل شرّف الأم وأمر ببرها، وجعل لبرها ثلاثة أضعاف ما للأب، وقد قال تعالى عنها: {حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا} [الأحقاف:١٥]، فأخبر أن الحمل كره، وأخبر عن مريم ابنت عمران عليها السلام أنها لما جاءها المخاض إلى جذع النخلة قالت: {يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا} [مريم:٢٣]، فهكذا الحمل، فكونها تتألم من الحمل أو تجد المشقة ليس بعذر لها أن تقطعه، ولا يرخص فيه، وإنما يكون العذر إذا خيف عليها الهلاك، وهي حالات مخصوصة ومعينة يقررها الأطباء، أما أن المرأة تأتي فتمنع الزوج من نسله وذريته حتى يضع الله البركة في هذا النسل وهذه الذرية، وتحرمه من هذا الخير فإنه أمر من الصعوبة بمكان.

وأصبح الرجال يسترسلون مع النساء، وأصبح النساء يتتبعن الرخص، وما يدري المرأة أن هذه الآلام وهذه المتاعب درجات لها في الجنة لا تبلغها بكثرة صلاة ولا صيام.

وليس من عيب على امرأة جاهلة أن تفعل هذا، ولكن العيب أن تجد المرأة طالبة علم، أو تجدها من الصالحات القانتات الفاضلات وتجدها تتعاطى حبوب منع الحمل، فأين الإيمان بالله عز وجل وحب النسل والذرية، والصبر على النسل والذرية؟! وقد كان النساء يرعين الغنم في البادية على فطرتهن، فلا طبيب ولا مغيث ولا مجير إلا الله سبحانه وتعالى، وتجدها وهي ترعى بهائمها تضع ولدها، وليس معها أحد، ولا يعلم بحالها إلا الله سبحانه وتعالى، فتضع الولد ثم تنتقل به إلى بيتها، وهذا حدث لأكثر من امرأة، وكان مشهوراً معروفاً، لكن لما ضعفت عقائد الناس، وأصبح الإنسان ضعيف الإيمان بالله عز وجل -نسأل الله السلامة- محقت البركة حتى من النساء، فأصبحت المرأة تشتكي من القليل والكثير، فإذا كانت تشتكي بسبب الدراسة والتدريس فليس هذا هو الأصل، فالأصل أنها أم، والأصل أنها مربية، والأصل أنها أم للأطفال والأولاد، وأنها هي التي تقوم على هذا الأمر الذي شرّفها الله وكرمها به.

فلذلك لا ينبغي للنساء أن يبحثن عن هذه الرخص، ولا ينبغي للمرأة أن تقول: إنها تريد أن ترتاح من الحمل.

وما يدريك لعل الله عز وجل أن يجعل هذا الولد الذي تفرين منه هذا العام من الذرية الصالحة.

وقد ذكروا عن امرأة أنها كانت تلد بنات، حتى ولدت تسع بنات متتابعات، فسئمت من البنات -وهذا الكلام قبل أكثر من مائة سنة، وهي قصة مشهورة عن أحد أهل الفضل في المدينة رحمة الله عليه، وكان من حفاظ كتاب الله عز وجل-، وكانت بمكة، فأخذت دواء من العطار تتناوله في السَحَر -أي: في الصباح الباكر- قبل الأكل وقبل الشراب لأجل أن تسقط هذا الحمل العاشر؛ لأنها لا تريد البنات، وهي لا تحمل إلا بنات، فأرادت أن تسقط هذا الجنين، فلما أرادت أن تستعمل هذا الدواء سمعت صائحاً في الفجر يصيح ويقول: يا أرحم الراحمين.

فاقشعر بدنها، وتعلقت بالله سبحانه وتعالى ليضع الله لها الخير في هذا الولد، ويريد الله سبحانه وتعالى أن يكون ذكراً، وأن يكون من حفاظ كتاب الله، والله لقد أدركته -وكان من أصدقاء الوالد- من أفضل الناس ديانة واستقامة وطاعة لله عز وجل، فلو أنها تعاطت هذا الدواء فكم كانت ستحرم من الخير؟ وكم كانت ستحرم من الدعوات الصالحات؟ ولذلك ينبغي على المرأة أن تكون قوية الإيمان بالله عز وجل، وأن تتوكل على الله، وأن يكون عندها حسن الظن بالله سبحانه وتعالى، وفي الحديث الصحيح: (أنا عند حسن ظن عبدي بي)، ورؤي سلمان الفارسي بعد موته -كما روى أبو نعيم في الحلية- فقيل له: ما فعل الله بك؟ قال: ما وجدت أفضل بعد الإيمان من حسن الظن بالله عز وجل.

والمرأة إذا أحسنت الظن بالله وقالت: أصبر وأتوكل على الله عز وجل.

فتح الله لها أبواب رحمته، وفي الحديث الصحيح: (من يصبر يصبره الله)، فتحس أن هذا الحمل كأنه يمر في ساعة، وكأنه طيف من الخيال والأحلام، ثم إذا بها يبارك لها الله عز وجل في هذه الذرية وهذا النسل، فلعله أن يذكرها بدعوة صالحة، وما يدريها لعل هذا النسل الذي تريد أن تمتنع منه يكون من أبر أولادها بها بعد مشيبها وكبرها، وما يدريها لعل الله أن يسخر لها بعد موتها بالدعوات الصالحات.

نسأل الله العظيم أن يعصمنا من الزلل في القول والعمل.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

وصلى الله وسلم وبارك على نبيه وآله وصحبه أجمعين.

<<  <  ج:
ص:  >  >>