للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[أحكام صلاة الكسوف]

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد: فيقول المصنف رحمه الله: [باب صلاة الكسوف].

المراد بالكسوف كسوف الشمس والقمر.

وللعلماء رحمهم الله في إطلاق الكسوف عليهما خلاف معروف، فمن أهل العلم من يقول: إن الكسوف والخسوف يطلقان على الشمس والقمر، وقد جاء بذلك الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا ينكسفان ولا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته) قال العلماء رحمهم الله: فعبر بالكسوف عنهما، وكذلك بالخسوف وهذا هو أحد الأوجه عند أهل العلم رحمة الله عليهم.

ومن أهل العلم من يقول: إن الكسوف للشمس والخسوف للقمر.

وعلى هذا مصطلح أكثر الفقهاء رحمة الله عليهم، فيعبرون بالكسوف للشمس وبالخسوف للقمر، كما قال تعالى: {فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ} [القيامة:٧] {وَخَسَفَ الْقَمَرُ} [القيامة:٨]، فعبر بالخسوف للقمر، ففهم من هذا أن الكسوف للشمس، وقد جاء في الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام أنه: (كسفت الشمس فصلى)، فعبر بالكسوف للشمس، قالوا: وعبّر القرآن بالخسوف في القمر، فدل على أن الكسوف للشمس والخسوف للقمر.

وصحح غير واحد من أئمة اللغة هذا المذهب، وقال الجوهري، وكذلك ثعلب: إن الأفصح أن الكسوف للشمس والخسوف للقمر.

وقال بعض أهل العلم: الكسوف للقمر والخسوف للشمس وقد ضعف هذا المذهب القاضي عياض رحمه الله؛ لأنه خلاف التنزيل، فإن الله عز وجل قال: {وَخَسَفَ الْقَمَرُ} [القيامة:٨]، فعبّر بالخسوف في القمر، فدل على أنه يطلق الخسوف على القمر، وعدم إطلاقه على القمر على هذا القول يخالف نص الآية، وهذا من أضعف المذاهب.

وهناك مذهب آخر يرى أن الكسوف المراد به ذهاب بعض الضوء، فتقول: كسفت الشمس وكسف القمر: إذا ذهب بعض الضوء، وتقول: خسفت الشمس إذا ذهب الضوء كله، وكذلك خسف القمر إذا ذهب الضوء كله.

وفي هذا القول جمع بين الأقوال التي سبق ذكرها، ويختاره بعض الأئمة رحمهم الله من الفقهاء واللغويين.

وقد ترجم الإمام البخاري رحمة الله عليه في الصحيح بباب: (هل يقول كسفت الشمس أو خسفت؟) فقدّم الكسوف وعبّر به للشمس، وأخّر الخسوف، فقال بعض العلماء: إن الإمام البخاري متردد في هذه المسألة، حيث أورد هذه الترجمة بصيغة الاستفهام التي لا جزم فيها، فكأنه متردد بين هذه الأقوال.

ومن أهل العلم من يقول: إن الإمام البخاري قصد أن الكسوف للشمس والخسوف للقمر؛ لأنه بوب بقوله: (هل يقول كسفت الشمس أو خسفت؟)، ثم قال: وقال الله تعالى: {وَخَسَفَ الْقَمَرُ} [القيامة:٨]، ففهم من هذا أنه يميل إلى مذهب من يقول: إن الكسوف للشمس والخسوف للقمر.

والمصنف حين قال: (باب صلاة الكسوف)، فإنه إن كان يرى أن الكسوف خاص بالشمس فإنه قدمه لأن الأدلة وردت في كسوف الشمس، فيكون خسوف القمر تبعاً من هذا الوجه، وإن كان يرى القول الذي يطلق الكسوف عليهما، فحينئذٍ لا إشكال في تعبيره بالكسوف.

<<  <  ج:
ص:  >  >>