للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[شروط وجوب الزكاة في الأنعام]

قال رحمه الله: [تجب في إبلٍ وبقرٍ وغنمٍ إذا كانت سائمة الحول أو أكثره].

أي: تجب الزكاة في إبلٍ وبقرٍ وغنمٍ بإجماع العلماء رحمة الله عليهم، لورود النص في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فليس في بهيمة الأنعام خلاف، قالوا: إن الزكاة فيها واجب.

وقوله: (سائمة) من السوم وهو الرعي، وقيل: إنه مأخوذ من السيماء وهي العلامة، كما في قوله تعالى: {سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ} [الفتح:٢٩]، فالسوم قالوا: توصف الغنمة به؛ لأنها تُعْلِمُ الأرض، والرعي الذي هو السوم يعتبر شرطاً لوجوب الزكاة في بهيمة الأنعام، فالبهائم: الإبل والبقر والغنم تنقسم إلى قسمين: إما سائمة ترعى، وإما معلوفة، ويتفرع على ذلك قسم ثالث ينبني عليهما وهو الجامع بين السوم والعلف، فما كان منها سائم، فإنه تجب فيه الزكاة بالإجماع، بمعنى: أن الإبل والبقر والغنم إذا كانت ترعى، فالعلماء متفقون على وجوب الزكاة فيها.

أما المعلوفة: فهي التي يشتري الإنسان لها العلف، أو يأخذه من مزرعته، أو يذهب بنفسه يجنيه ويحشُّه من الأرض ثم يعطيه للبهيمة، ولا يخرجها من حظيرتها، فهذه معلوفة، سواءً اشترى أو ذهب وجمع لها ثم أطعمها، فإذا كانت البهيمة معلوفة، فللعلماء فيها قولان: منهم من يقول: البهيمة المعلوفة تجب فيها الزكاة كما تجب في السائمة؛ لأن الأصل يقتضي وجوب الزكاة في جميعها.

والقول الثاني: أن الزكاة لا تجب في المعلوفة.

فأصحاب القول الثاني وهم الجمهور، يقولون: إن المعلوفة لا تجب فيها الزكاة، لقوله عليه الصلاة والسلام: (من الإبل السائمة)، وقوله في كتاب الصدقة وفي السنن: (وأما الغنم ففي سائمتها في كل أربعين)، فقوله في سائمة الإبل، أو الغنم: في سائمتها، يدل بمفهومه على عدم وجوب الزكاة في المعلوفة، وهذا المفهوم هو الذي يسميه الأصوليون: مفهوم الصفة، فإن السوم صفة، والمفهوم له عشرة أنواع، ومنها: النوع الذي هو الصفة، فقوله عليه الصلاة والسلام: (في سائمتها) مفهومه: أن المعلوفة التي لا ترعى لا تجب فيها الزكاة، وهذا كما قلنا: مذهب جمهور العلماء، وهو الصحيح: أن البقر والإبل والغنم إذا لم ترع لا تجب فيها الزكاة.

إذا ثبت أنه لا بد من السوم، يبقى النظر في النوع الثاني وهو الذي جمع بين السوم والعلف، فالذين قالوا باشتراط أن تكون سائمة؛ منهم من يقول: العبرة في السوم بأكثر الحول، وبناءً على ذلك فلو جمعت بين السوم والعلَف ننظر، فإن كانت أشهر السوم أكثر من أشهر العلف، فإنه تجب فيها الزكاة، وإن كانت أشهر العلف أكثر من أشهر السوم فلا تجب فيها الزكاة، مثال ذلك: لو كانت عنده أربعون من الغنم، وهذه الأربعون ترعى ثمانية أشهر وأربعة أشهر تكون في حظائرها ويعلفها، فإن الأكثر للسوم والرعي، فتجب فيها الزكاة، وأما إذا كان العكس وهو أنها ترعى أربعة أشهر وتُعلف ثمانية أشهر، فإنه لا تجب فيها الزكاة؛ لأنها معلوفة، هذا حسب ما قيل في اشتراط السوم، فإذاً العبرة في السوم بأكثر الحول.

وقال بعض العلماء رحمة الله عليهم: إذا سامت ورعت ولو بعض الحول تجب فيه الزكاة، ولا يفرِّق بين كونه أكثر الحول أو أغلب الحول.

والصحيح: أن الزكاة فيها إذا جمعت بين السوم والعلف تابع للغالب عليها، فإن كان الغالب عليها أن تعلف فلا زكاة إلا إذا كانت من عروض التجارة، فالزكاة في قيمتها، وأما إذا كانت تسوم وترعى أكثر الحول، فإن الزكاة تجب فيها؛ لأن الحكم للغالب منهما.

إذاً: بهيمة الأنعام من الإبل والبقر والغنم، فيها مسألتان بالنسبة لوجوب الزكاة فيها: المسألة الأولى: أنه لا تجب فيها الزكاة إلا إذا رعت، وكانت تسوم.

المسألة الثانية: أن يكون السوم في أكثر الحول، فإذا كان أكثر الحول للسوم وجبت فيها الزكاة.

وأما إذا كانت معلوفة؛ يُعلفها صاحبها ويطعمها أكثر الحول، أو كل الحول، فلا تخلو نيته من حالتين: الحالة الأولى: أن يكون قصده منها أن يأخذ غلتها، وأن يستفيد من ألبانها وأصوافها وأوبارها وأشعارها، فإذا كان قصده نماء المنفصل منها، فإنه حينئذٍ لا تجب عليه الزكاة؛ كما إذا قصد منها أن يشرب من ألبانها، فيكون عنده أربعون من الغنم من أجل أن يشرب حليبها، وأن ينتفع من صوفها، وكذلك أيضاً يجعلها للضيف وللقرى ونحو ذلك، فهذا لا تجب عليه الزكاة.

الحالة الثانية: أن يقصد منها التجارة، كأن تكون عنده أربعون من الغنم ويقصد منها أن يبيع ويشتري، فيأخذ منها مجموعة لكي يطعمها ويقيم عليها حتى إذا غلت أسعارها أو كبرت أسنانها ذهب بها إلى السوق وباعها، فهذا زكاته زكاة عروض التجارة.

فخلاصة ما سبق: أن بهيمة الأنعام لها حالتان: إما أن تكون سائمة سواء كانت سائمة كل الحول أو أكثر الحول ففيها الزكاة بإجماع العلماء رحمة الله عليهم، وإما أن تكون معلوفة، فإن كانت معلوفة: فإما أن تكون بقصد النماء لما يكون منها؛ من حليبها وأصوافها، وتكون طعمة للضيف وطعمة للبيت، فهذه لا زكاة فيها، وإما أن يقصد منها أن يبيعها ويستفيد بالمال الذي يبيعها به، فهذا حكمه حكم عروض التجارة، تقدّر عند كل حول وتكون الزكاة في قيمتها، فالفرق بين كونها تجب فيها الزكاة كسائمة وتجب فيها الزكاة كعروض التجارة: أننا إذا أوجبنا فيها الزكاة كسائمة، يُعتبر فيها النصاب وهو أربعون، وأما إذا أوجبنا الزكاة فيها كعروض تجارة فتكون العبرة بالقيمة، فلربما يكون عنده أربع شياه وتجب عليه الزكاة؛ لأن قيمتها تصل إلى نصاب زكاة عروض التجارة.

<<  <  ج:
ص:  >  >>