للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[إيجاب العشر فيما سقي بلا مئونة]

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد: فيقول المؤلف عليه رحمة الله: [فصلٌ: يجب عشرٌ فيما سقي بلا مئونة].

شرع المصنف رحمه الله في هذا الفصل ببيان المقدار الذي أوجب الله عز وجل في زكاة الحبوب والثمار، فبيّن أنه العشر، والعشر هو الواحد من العشرة، والأصل في ذلك ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (فيما سقت السماء العشر).

وهذا يدل على أن الحبوب والثمار تنقسم إلى قسمين: القسم الأول: ما كان سقيه بمئونة.

القسم الثاني: ما كان سقيه بغير مئونة.

والمئونة: مأخوذة من المئن وهو التعب والنصب، وقالوا: (ما سقي بمئونة) أي: بتعب ونصب، وذلك هو شأن المزارع في غالب أحوالها، أنها تفتقد إلى خروج الماء واستنباطه من الأرض، ثم بعد ذلك توزيعه وتقسيمه على الأماكن التي يراد سقيها، فهذه مئونة وتعب وكلفة ومشقة، ويشمل ذلك ما كان بالآلات القديمة كالسواني ونحوها، وما كان بالآلات الحديثة كالمكائن الزراعية ومضخات المياه، فإن الإنسان إذا سقى بها يعتبر في حكم من سقى بما فيه مئونة ومشقة، وإذا كان الزرع يسقى بالمئونة والمشقة ففيه نصف العشر، وأما إذا كان يسقى بغير مئونة وهو القسم الثاني الذي لا تعب فيه، والمراد به ما تسقيه العيون والسيول، وما تسقيه الأمطار من السماء، فهذا لا مئونة فيه ولا تعب بالنسبة للماء، ولا مشقة في استنباطه واستخراجه، فجعل الله الزكاة الواجبة فيه العشر، أي: يجب إخراج عشره صدقة للفقراء والمساكين الذين سمى الله عز وجل من المستحقين، ولا شك أن الذي فيه المشقة والتعب أعظم كلفة من الذي لا مشقة فيه ولا تعب.

والذي يُسقى بدون مئونة، وهو الذي تسقيه العيون والسيول والأنهار ففيه تفصيل، وله حالتان: الحالة الأولى: أن يحتاج إلى معالجة ما، وذلك بتحويله إلى مكان الزرع، ووجود مشقة في رفعه إلى ذلك المكان، فمن أهل العلم من قال: كل ما سقي بالسيول ما دامت تصيب الأرض -وكذلك العيون والأنهار- فلا كلفة فيه ولا مشقة، والواجب على صاحبه العشر، سواءً حوّل الماء وجعله في سواقٍ وتكلّف السواقي، أو أن الماء بنفسه سرى على الأرض كالرياض المعروفة في البادية، يجعلونها على أماكن جريان السيل، أو في شرائع الجبال، فهذه لا مشقة فيها؛ لأن الماء سينزل وسيصيب هذه الأماكن التي بُذر فيها الحب، فعند هؤلاء العلماء يستوي أن يكون السيل قد أصاب الأرض مباشرة، أو أدخلته أنت إلى الأرض فتكلفت في إدخاله، بأن تكون قد جعلت له حاجزاً أو صخرة يصطدم بها ثم يدخل إلى مزرعتك، فبعض العلماء يفرِّق بين الذي سقي من السماء، والذي يحتاج إلى معالجة بالسيل والأنهار، فيقول: هذا مئونة ومشقة، فيكون فيه نصف العشر.

والصحيح: أنه لا فرق؛ لأنه سقته السماء، وداخل فيما سقته السماء.

وأما ما سُقي بالنضح -كما ورد في الحديث- فهذا فيه كلفة ومشقة، ومعناه: أنه يستنبط الماء ويتكلف إخراجه، هناك حالة تستثنى من السيول والأنهار، وهي حالة المضخات المائية الموجودة الآن، فإذا احتاج المزارع لوضع مضخة على السيل من أجل أن يجذب بها الماء خفِّف عنه في الزكاة؛ لأنه في حكم النضح، أما لو دخل السيل بنفسه أو دخل بمعالجة، فإنه لا يصدق عليه أنه مما فيه المشقة، وإنما يجب فيه العشر، وعلى هذا ففرِّق بين ما سقي بمئونة ومشقة وتعب وبين ما سقي بدون مئونة ومشقة وتعب؛ وهذا يدل على سماحة الشريعة، ورحمة الله عز وجل بعباده، وحكمته في تشريعه جل شأنه؛ لأن الذي فيه المشقة سيحتاج الإنسان إلى كلفة من المال والجهد والوقت، ولذلك يكون حظه من زرعه أقلّ لو قلنا: عليه العشر، ولكن الذي لا كلفة فيه ولا مشقة فإن الأوجه أن يكون حظ الفقراء فيه أكبر، وهو نصاب العشر كما سنّ النبي صلى الله عليه وسلم.

<<  <  ج:
ص:  >  >>