للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[حكم زكاة الحلي]

قال المصنف رحمه الله: [ولا زكاة في حليهما المعد للاستعمال أو العارية].

قوله: (ولا زكاة في حليهما) المعد للاستعمال، الحلي الذي تتحلى به المرأة للعلماء فيه قولان: منهم من قال: يجب على المرأة أن تؤدي زكاة الحلي قلّ أو كثر، بشرط أن يبلغ النصاب المعتبر، وهذا هو مذهب الحنفية رحمة الله عليهم.

القول الثاني: لا تجب الزكاة في الحلي، وهذا هو مذهب الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة.

واستدل الذين قالوا بوجوب الزكاة في حلي النساء بحديث الترمذي: (أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى امرأة تطوف، وعليها مسكتان غليظتان من ذهب، فقال: أتؤدين زكاتهما؟ قالت: لا، قال: هما حسبك من النار)، قالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث بيّن وجوب الزكاة، إذ الوعيد فيه لا يترتب إلا على فعل محرم أو ترك واجب، ولا شك أن الواجب هنا هو الزكاة، فدل على أن الزكاة واجبة، فجعل قوله: (هما حسبك من النار)، مرتباً على قولها: لا، فدل على أنها لو زكت لما كان حسباً لها من النار، قالوا: فهذا الحديث يدل دلالة واضحة على وجوب الزكاة في الحلي، واستندوا أيضاًَ إلى الأصول، وذلك في قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة:١٠٣]، ولا شك أن الحلي مال؛ لأن له قيمة، وقالوا: إنه تجب فيه الزكاة، سواء كان من الذهب أو كان من الفضة.

واستدل الجمهور على إسقاط الزكاة بحديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليس في الحلي زكاة)، وهو حديث ضعيف؛ لأنه من رواية أيوب بن عافية، وهو ضعيف، ولا يقوى على معارضة حديث الترمذي الذي صححه غير واحد.

وبناءً على ذلك: يترجح القول القائل بوجوب الزكاة في الحلي، وحينئذٍ يجب على المرأة إذا حال الحول على حليِّها أن تنظر في زكاته إذا كان قد بلغ النصاب، فتُخرج ربع عشره، إن شاءت أخرجته من الذهب، وإن شاءت أخرجته من الفضة، أخرجت ربع العشر من الذهب، أو أخرجته بعدله من الفضة، توضيح ذلك: لو أن حليها زكاته عشرة غرامات، فحينئذٍ نقول لها: إما أن تخرجي عشرة غرامات من الذهب، وتعطى للمسكين ينتفع بها، يبيعها ويأخذ مالها، أو تنظري عِدل العشرة غرامات في يوم الحول بقيمتها من الذهب، فإذا كانت قيمة كل غرام من الذهب في يوم الحول ثلاثين ريالاً فإننا نعتبر الواجب عليها في عشر غرامات ثلاثمائة ريال، ونقول: أنت بالخيار إن شئت أخرجت عدلها من الفضة، وإن شئت أخرجت أصلها، أعني العشرة غرامات، فتُخيّر بين الاثنين، إن شاءت هذا أو هذا، لكنها إذا أرادت أن تنظر إلى عِدل الذهب من الفضة، فينبغي أن تنظر إلى اليوم الذي هو حولها، فلو كان غرام الفضة في يوم حولها يساوي أربعين ريالاً، ثم أرادت أن تخرج بعد يوم أو يومين، وقيمته خمسون أو ستون فالعبرة بالأربعين، لا بالزيادة ولا بالنقص الطارئ بعد يوم الحول، وعلى هذا لا بد أن تعرف قيمة الغرامات في يوم الحول، وتؤدي زكاته على هذا الوجه المعتبر، والعبرة بقيمة البيع لا بقيمة الشراء.

وقوله: (المعدة للاستعمال أو العارية).

بناءً على القول بإسقاط الزكاة في الحلي، كما يقول الجمهور هناك مسائل، يقولون: أولاً: ينبغي أن يكون الحلي معداً للاستعمال، فإذا كان بعضه معداً للاستعمال وبعضه لا يعد للاستعمال إلا نادراً، فإننا نوجب عليها الزكاة في النادر، وأما الغالب فلا زكاة فيه، ومن أمثلة ذلك: لو كان عندها ذهب تلبسه أكثر الحول، أو كل الحول، وذهب خاص للمناسبات بحيث لا يعادل أكثر الحول، تجب عليها الزكاة في النادر الذي تلبسه في المناسبات، ولا تجب عليها في الذي تتحلى به دائماً.

ثانياً: وأيضاً يقولون: إن الحلي يشترط فيه أن يكون مباحاً للمرأة، فما زاد وكان محرماً فإنه تجب عليها الزكاة فيه، ولا يعتبر مستثنى؛ لأن التحريم يسقط الرخصة، وكأن الحلي الأصل وجوب الزكاة فيها، فرخص بإسقاط الزكاة فيها إذا كانت تتحلى بها، وبقي ما عداه على الأصل الموجب للزكاة.

قال المصنف رحمه الله: [فإن أُعد للكراء أو للنفقة أو كان محرّماً ففيه الزكاة].

قوله: (فإن أعد للكراء) إذا قلت: إن الحلي لا زكاة فيه، فإنه قد يُعد الحلي للكراء، ومن أمثلة ذلك: أن يكون عند المرأة أسورة من الذهب، أو قلائد من الذهب، وتؤجرها على النساء، إذا صارت المناسبات تأخذ المرأة هذا السوار الليلة بمائة مثلاً، وكل سوار بمائة، وهذه المسألة فيها قولان للعلماء: من أهل العلم من يرى جواز إجارة الذهب والفضة للتجمل والزينة، ومنهم من يمنع من ذلك.

والذين يجيزون يقولون: إن المنفعة وهي الزينة مقصودة، فصارت منفعة مقصودة، فحينئذٍ يجوز أن يُستأجر، وبناءً على هذا القول الذي يقول بالجواز، كما مشى عليه المصنف رحمه الله، حينئذٍ الذي يُعد للكراء تجب فيه الزكاة مع أنه حلي، ولا تسقط عنه الزكاة على أصل المذهب الذي اختاره رحمة الله عليه؛ لأنه لما أُعد للكراء خرج عن كونه حلياً مرخصاً بإسقاط الزكاة عن صاحبه.

وقوله: (أو للنفقة) كامرأة تعد أسورة من أجل أن تبيعها، ثم بعد ذلك تنفق على نفسها وعلى عيالها، فلا تلبسها، هذا ليس بحلي ولا آخذٌ حكم الحلي وإن كان في أصله حلياً، لكنه ليس في مقام الرخصة بالحلي؛ لأنها لا تلبسه ولا تتحلى به ولا تتجمل.

وقوله: (أو كان محرماً) اتخذته وكان حراماً عليها أن تتخذه كأواني الذهب وأواني الفضة، فهذا المعد للأواني يحرم عليها أن تستعمله، وحينئذٍ لا يرخّص ولا يقال بإسقاط الزكاة عنها، فلا يقول قائل: إن الذهب حلال للنساء، وهذه الآنية اتخذتها للزينة في بيتها لا تجب عليها الزكاة بل نقول: يجب عليها أن تزكي هذه الأواني من الذهب والفضة.

والحمد لله رب العالمين.

<<  <  ج:
ص:  >  >>