للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[حكم النية في الوضوء]

هذا معنى قولهم: الشرط يلزم من عدمه العدم، ولا يلزم من وجوده الوجود.

وقوله: (والنية شرط لطهارة الأحداث كلها) هذه مسألة خلافية، اختلف فيها جمهور العلماء مع الإمام أبي حنيفة وأصحابه.

فالجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة والظاهرية يرون أن الوضوء والغسل لا يصح إلا بالنية، فمن اغتسل للنظافة أو للتبرد وكان عليه حدث جنابة أو حيض لم يجزئه، وكذلك من توضأ وكان عليه حدث أصغر، فإنه لا يجزئه إذا نوى بوضوئه التبرد في الصيف مثلاً.

وذهب الإمام أبو حنيفة وأصحابه، وهو قول بعض السلف إلى أن الوضوء والغسل يصح كل منهما بدون نية، ولو كان قاصداً النظافة، فإنه يجزئه ويصح.

واحتج الجمهور بدليل الكتاب والسنة والعقل: أما دليل الكتاب: فقوله تعالى: {فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ} [الزمر:٢]، وجه الدلالة: أن الوضوء عبادة وديانة، فلا يصح إلا بإخلاصه ونيته.

وكذلك قوله سبحانه: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة:٥]، قالوا: الوضوء عبادة، والدليل على كونه عبادة: أنه غسل لأعضاء على صفة مخصوصة، ولذلك أمر بغسل بعض الأعضاء ومسح بعضها، ولو كان عبادة معقولة المعنى لما تأتى فيه ذلك، فقالوا: إنه عبادة لا يُعقل معناها، فلا تصح بدون نية.

وأما دليل السنة: فحديث عمر في الصحيحين: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)، ووجه الدلالة: أن الوضوء عمل، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أن صحة الأعمال موقوفة على النية، والوضوء عمل، فلا يصح إلا بنية.

وأما دليلهم من النظر الصحيح: قالوا: تجب النية في الوضوء كما تجب في التيمم، وتجب النية في الغُسل كما تجب في التيمم، لجامعِ كونِ كلٍّ منهما طهارة من حدث.

هذا حاصل ما استدل به الجمهور من دليل النقل والعقل.

أما الإمام أبو حنيفة -رحمة الله عليه- وأصحابه فدليلهم العقل: قالوا: إن الوضوء أو الغسل كل منهما عبادة معقولة المعنى، وهو وسيلة وليس بغاية، والوسائل لا تشترط لها النية، ولذلك قالوا: يصح الوضوء بدون نية.

ومعنى قولهم: لا يشترط في الوسائل النية أنك لو أردت أن تذهب إلى المسجد -مثلاً- وركبت السيارة، فإنه لا يلزمك في هذه الوسيلة التي تتوصل بها إلى العبادة أن تنوي بها الوصول للعبادة، فلو ركبت السيارة مجرداً عن النية، ثم بلغت بها المسجد، لصح خروجك ذلك عبادةً وطاعةً لله جل وعلا، فقالوا: هو من الوسائل، ومن العبادات المعقولة المعنى.

والصحيح: مذهب الجمهور، أن الوضوء لا يصح إلا بالنية، وكذلك الغسل من الجنابة؛ لما ذكرنا من دليل النقل والعقل.

<<  <  ج:
ص:  >  >>