للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[سبب إعمال المسامتة في المواقيت المكانية]

السؤال

أشكل عليَّ أن المواقيت أماكن خصَّصها الشرع ولكننا نُعمِل المسامته، فهل المسامته من باب القياس؟

الجواب

القياس حجة، والشرع اعتَبَر القياس، فالنبي صلى الله عليه وسلم لما سأَلته المرأة أن تحج عن أمها قال: (أرأيتِ لو كان على أُمِّكِ دين أكنتِ قاضيته؟ قالت: نعم، قال: فدين الله أحق أن يقضى).

فجاء رجل فقال: (يا رسول الله! إن امرأتي ولدت غلاماً أسود، قال: هل لك من إبل؟ قال: نعم، قال: ما ألوانها؟ قال: حُمُر، قال: هل فيها من أورق؟ قال: إن فيها لورقاً، قال: فأنى كان ذلك؟ قال: لعله نزعها عرق، قال: فلعل ابنك هذا نزعه عرق) فقاس دفع الشبهة لإسقاط القذف على الحيوان، وهذا قياس صحيح.

كذلك لما قال عليه الصلاة والسلام: (أرأيت لو وَضعها في الحرام أكان عليه ورز)، فهذا يدل على القياس.

فالشاهد أن الشَّرع يعتبر القياس حجة، والرجل هنا في منطقة لا يستطيع أن يمر فيها بذي الحليفة، ولكنه يُسامِت ذا الحليفة تماماً، فحينئذٍ نقول: حكمه حكم من مرّ بذي الحليفة يَعتَبِر المسافة التي تسامت.

ألسنا نقول: إنه إذا ركب الطائرة وركب السيارة أنه بمجرد المحاذاة يلبِّي؟ فالمحاذاة كالمسامته لا يوجد فرق ما دام أنه في نفس الجهة، فكأن الشرع قصد أن لا يمر من هذه الجهة إلا وقد أَحرَم، فيكون العبرة بالسمت والجهة، وحينئذٍ نقول بالسمت لأن الشرع يشهد له.

وهذا نظر صحيح وقياس صحيح، فتصوَّر الآن لو أن الشَّرع أَراد أَن يُحدد المواقيت فهو -بالقسمة العقلية والفرض العقلي كتشريع- بين أمرين.

مثلاً: بالنسبة للمدينة ميقاتها ذو الحليفة، وهي تبعد عن مكة عشر مراحل لعشرة أيام، فبالنسبة للأربعمائة كيلو التي بين مكة وذي الحليفة، فهو فيها بين أمرين: إما أن يحدد جهة المدينة ثم يذكر ما يسامت جهة المدينة من القرى والمنازل، فيأتي النص من النبي صلى الله عليه وسلم يُعدِّد هذه القرى والمنازل ويقول: المواقيت ذو الحليفة وكذا وكذا وكذا وكذا، حتى يذكر جميع القرى التي تسامتها.

الطريق الثانية أن يقول: يلزم هؤلاء الذين يأتون من الجهات البعيدة أن يذهبوا ويتحولوا إلى المدينة، وحينئذٍ كأنه يقول: لا يصح إحرام لأهل المدينة ومن كان بجوارهم أو من سامتهم إلا من ذي الحليفة، والنص لم يأت بهذه الصفة، بل وَقَّتَ رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة ذا الحليفة، وسَكَتَ عن غيرهم حتى يَجتَهِد العلماء فيثابوا على اجتهادهم، فنزَّلوا غير المنصوص عليه على المنصوص عليه، وأَلَحَقوا المسكُوت عنه بالمنطوق به، ورأَوا أن الشَّرع نبَّه بهذا على هذا، وحينئذٍ يكون الحُكم واحداً، وتطمئن النفس إلى أنهم يأخذون حكم أهل المدينة.

وبناءً عليه فإننا نقول: مَن سَامَت المدينة يَعْتَبِر سَمْتَ ذي الحليفة إذا كان في الطريق على السَّمْت.

لكن لو كان في جهة غير جهة المدينة، مثلاً: المدينة واقعة شمال مكة، فهو في شمالٍ منحرف إلى الشرق -شمال شرق- ولكنه لا يمر بميقات المشرق؛ فحينئذٍ نقول له: أنت بين أمرين، إما أن يكون تدخل على محاذاة سمت المدينة فتُحِرم عند دخول الطريق، مثل الذين هم في شرق الخط السريع (خط المدينة) كالمَهْد فنقول: لا يلزمك الإحرام ما لم تدخل في الخط حتى تكون بسمت أهل المدينة فيلزمك حينئذٍ أن تُحرِم بدخولك، لقوله عليه الصلاة والسلام: (فمن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ).

أما إذا كان على نفس السمت كاليتمة ووادي الفُرْع ونحوها، فقد بيَّنا حكمه وأنه يحرم من موضعه، والله تعالى أعلم.

<<  <  ج:
ص:  >  >>