للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[من عجز عن استلام الحجر وتقبيله، وما ينبغي أن يراعيه من يقبل الحجر]

قال رحمه الله تعالى: [فإن شق قبل يده].

فإن شق عليه أن يستلم الحجر -كما ذكرنا- ويقبله استلمه بيده وقبل يده، والاستلام ثبتت به السنة الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه استلمه بيده، وثبت بالأحاديث الصحيحة أنه كان إذا عجز عن التقبيل استلمه بيده وقبل يده، فالسنة أنه إذا عجز الإنسان عن التقبيل بفمه وضع يده وقبل موضعه، وكذلك أيضاً لو كان معه محجنٌ أو عصا، فاستلم به قَبَّل المحجن؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم استلم بالمحجن وقبله صلوات الله وسلامه عليه.

وأما لو أشار بيده فإنه لا يشرع له أن يقبلها كما يفعل العامة، وإنما يشرع تقبيل اليد إذا لمس واستلم، أما إذا لم يستلم فإنه لا يقبل، فالتقبيل لا يكون إلا للحجر أو لما استلم به الحجر؛ كيده، أو محجنٍ متصلٍ به، ونحو ذلك، فيقبله.

وهل يسجد على الحجر؟ السجود على الحجر أن يدخل رأسه بحيث تكون جبهته على الحجر، نقلها شيخ الإسلام رحمه الله، وثبت وصح عن جمعٍ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يسجدون على الحجر، بمعنى: أنهم يضعون الجبهة على الحجر، وصح هذا عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري وعن عبد الله بن عمر، وجابر بن عبد الله رضي الله عن الجميع، صحت عنهم بذلك الأخبار، ولذلك نص العلماء على أنه لا حرج على الإنسان أن يفعل ذلك، والثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم الاستلام والتقبيل، وقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه للحجر: (لولا أني رأيت رسول الله صلى عليه وسلم يقبلك ما قبلتك) وهذا يدل على أن السنة والأفضل أن الإنسان يحرص على تقبيل الحجر، ويتعاطى الأسباب التي لا ضرر فيها على الناس، وهذا إنما يكون للرجال في الغالب، وأما النساء فالغالب فيهن أنهن إذا قبلن الحجر زاحمنَ الرجال وفتنّ العباد، فالأفضل لهنّ أن لا يقتربن من جهة الحجر، خاصةً وأنهنّ قد ينحرفنَ في طوافهن، فإنهنّ إذا انحرفنَ عن الطواف، وأصبح البيت عن يمين المرأة بطل ذلك، ولزمها أن تعيد من أول ذلك الشوط؛ لأنها إذا انحرفت بيدها وجاء البيت عن يمينها -كما سيأتي إن شاء الله- لم يصح ذلك منها، ولزمها أن تعود إلى أول شوطها؛ لأنه لابد وأن يكون البيت عن اليسار، وقد طاف عليه الصلاة والسلام وجعل البيت عن يساره.

ثم إذا أراد الإنسان أن يقبل، فلا يزاحم الناس ولا يؤذهم، أما لو زاحمه الغير، وصبر على أذيته فإنه أفضل؛ لما فيه من الصبر على طاعة الله، فلو كان هناك زحام فصبرت ولم تؤذ أحداً حتى تبلغ الحجر، فهذا لا شك أنه أفضل؛ لأن التعب والنصب في طاعة الله يعظم به الأجر للإنسان، وكون الإنسان يرى الزحام عليه ويتركه لغيره فلا إيثار في القُرب، فحرص الإنسان عليه لا شك أنه أفضل وأكمل، وقد كان ابن عمر رضي الله عنهما لا يترك تقبيل الحجر منذُ أن رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبله، ما ترك استلام الركن ولا تقبيل الحجر منذُ أن رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلم ويقبل، ولذلك لما جاءه السائل وقال له: يا أبا عبد الرحمن! أرأيت إن كان عليه زحام؟ قال: (دع أرأيت باليمن، رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبله).

وهذا يدل على حرصه رضي الله عنه وأرضاه وحبه لهذه السنة، ولكن الإنسان لا يؤذ الغير، فإذا استطاع أن يصل إلى الحجر من دون أذية، ومن دون إضرار فلا شك أنه أفضل وأكمل، وكان ابن عمر يقرأ في الشوط الواحد ما يقرب من خمسمائة آية، وذلك لأنه يصبر على الحجر وينتظر، وقد يكون في شدة الشمس والحر، وأثر عنه رضي الله عنه أنه كان الناس يزاحمونه حتى يدمون أنفه، فيصيبه الرعاف رضي الله عنه وأرضاه، وهو صابرٌ لا يفارق سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا ليس بواجب، ولكن حبه للسنة، وحبه للتأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم جعل من الصعب عنده أن يجاوز الحجر وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم يفعل شيئاً فيه فيجاوزه دون أن يفعله، فهذا من باب الأفضل، ولكن إذا كان الأمر فيه مشقة، أو فيه إضرارٌ بالغير فلا؛ فإنه لا تلتمس السنن بما فيه محظورٌ شرعي، وخاصةً إذا كان على الإنسان فيه فتنة.

فالمقصود: أنه يحرص الإنسان على تقبيل الحجر، وإذا قبله فإنه يراعي الثبات في الموضع، يثبت في موضعه فيقبل، ثم بعد ذلك ينصرف حتى يستتم الطواف بالبيت في شوطه؛ لأنه في بعض الأحيان إذا قبل فإنه ربما ينحرف فيصرف بجذعه إلى ما بعد موضع الاعتداد ببداية الطواف، فحينئذٍ يلزمه أن يجعل البيت عن يساره، حتى يقع طوافه كاملاً.

ومن الأخطاء التي قد يقع فيها بعض الناس: أنه إذا جاء لتقبيل الحجر وهو في حج، أو طواف ركن عليه في عمرة، ونحو ذلك، فإنه يصعد على الحجر الذي على البيت، وهذا الحجر من البيت، فيبطل شوطه؛ لأن الحجر الذي هو الشاذروان -وهي الزيادة الموجودة في أسفل البيت من البيت- وهو مأمورٌ بالطواف بكل البيت، فصعوده على هذا الجزء من أجل التقبيل -خاصة إذا كان عليه طواف ركن- يفوّت هذا الموضع، وقد نص جماهير العلماء رحمة الله عليهم على أنه لو ترك خطوةً واحدة من الطواف لم يصح؛ لأنه عبادة كالصلاة ينبغي أن تؤدى بصفتها مثل ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فهذا الجزء من البيت؛ فلابد وأن يجعله في طوافه، بحيث يطوف به كاملاً، أما لو رقى عليه، ومشى فإنه في هذه الحالة كأنه لم يطف بالبيت كاملاً لهذا النقصان.

<<  <  ج:
ص:  >  >>