للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[رفع المرأة صوتها بالتلبية]

السؤال

ما حكم رفع المرأة صوتها بالتلبية؟

الجواب

المرأة لا ترفع صوتها بالتلبية، وإنما تكون تلبيتها سراً، فالنساء لا أذان لهن ولا إقامة، ولا يشرع لهن الجهر؛ لما في أصواتهن من الفتنة، ولذلك قال تعالى: {فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا} [الأحزاب:٣٢] قال العلماء: القول المعروف على حالتين في المرأة: الحالة الأولى: ألا ترفع صوتها إلا من ضرورة وحاجة.

والحالة الثانية: ألا تتنغم وتتكسر في كلامها، وإنما يكون كلامها على الوجه المعروف الذي لا يطمع معه الذي في قلبه مرض، وعلى هذا فإن النساء لا يرفعن أصواتهن، ولم يحفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ألزم نساءه برفع أصواتهن، بل كان أمهات المؤمنين يلزمن الستر في أمور حجهن وعمرتهن، حتى كانت عائشة رضي الله عنها وأرضاها -وهي أم المؤمنين الصالحة القانتة- تتستر حتى في طوافها، وكانت إذا أرادت أن تطوف بالبيت لا تطوف إلا بالليل، وإذا أرادت أن تطوف أوصت القائمين على البيت أن يطفئوا السُّرُجَ، ومضت في داخل طوافها حتى لا تُرى رضي الله عنها وأرضاها، وكل هذا من تحريها لمقصود الشرع، كما قالت فاطمة رضي الله عنها: (خير للمرأة ألا ترى الرجال ولا يراها الرجال) فسماع صوت المرأة ورؤية شخصها فتنة.

والذي يقول: إنه ليس بفتنة يكابر بالمحسوس، فالمرأة والرجل جبلهما الله عز وجل فطرة وغريزة بميل كلٍّ منهما إلى الآخر، سواءً تكلمت أم خرجت وابتدئ، فالفتنة كل الفتنة في النساء، كما قال صلى الله عليه وسلم: (ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء)، فمما نص عليه العلماء أنها لا ترفع صوتها إلا لحاجة وضرورة، ولذلك تجد العلماء يقولون: في الحديث دليل على مخاطبة الأجنبية للأجنبي عند الحاجة، ويقيدون ذلك بالحاجة، وهذا هو المحفوظ والمذكور في كتب العلماء رحمة الله عليهم.

والدليل القوي على أن المرأة لا تتكلم أنها في الصلاة لو أخطأ الإمام لا تفتح عليه مع وجود الحاجة، وإنما تصفق، فقال عليه الصلاة والسلام: (إنما التسبيح للرجال والتصفيق للنساء) فانظر -رحمك الله- لو كان صوت المرأة مأذوناً فيه لفتحت، مع أنه قد يُحتاج إلى أن تفتح للإمام بالكلام، فقالوا: أبداً، تقتصر على التصفيق حتى يعجز، وحينئذٍ يجوز لهن الفتح، وهذا كله يؤكد أن مقصود الشرع أن تحفظ المرأة لسانها، وأن تمتنع من مخاطبة الرجال، ولو قيل بجواز مخاطبة المرأة للأجنبي لاسترسل النساء في ذلك، ولرأيتها تجلس مع الرجل تسأله عن حاله، كما يسأل الرجل الرجل، وتقول لك: لا دليل على التحريم! بل تقول لك: إن العلماء أفتوا بأنه يجوز كلام الأجنبية للأجنبي.

ففي هذا فتح باب شر لا يخفى، فالمرأة لا تخاطب الرجال، ولا يسمع الرجال كلامها، ولا بيانها إلا عند الضرورة والحاجة؛ لأنه إذا كان في الصلاة التي هي من أعظم شعائر الإسلام، ويحتاج إلى كلامها، يقول عليه الصلاة والسلام: (إنما التسبيح للرجال والتصفيق للنساء)، فعدل إليه عن ذكر الله الذي فيه القربة وفيه الطاعة، فأين التصفيق من ذكر الله؟! فالرجل يسبح، وذكر الله أفضل وأكمل، ومع ذلك هي تعدل إلى التصفيق.

وعلى هذا فإنها لا ترفع صوتها بالتلبية، والدليل على أن المرأة لا ترفع صوتها بالتلبية أن الأوامر التي جاءت برفع الصوت بالتلبية، كما في الصحيح من حديث جابر وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أتاني جبريل فأمرني أن آمر أصحابي أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية)، وهذا خاص بالرجال لقوله: (أصحابي)، والأصحاب: جمع صاحب، والمراد به الرجل دون الأنثى، فلا يشرع للمرأة أن ترفع صوتها بالتلبية، وإنما تكون تلبيتها سراً، والله تعالى أعلم.

<<  <  ج:
ص:  >  >>