للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[صفة ذبح العقيقة]

قال رحمه الله: [وتنزع جدولاً].

المراد بقوله: (وتنزع جدولاً) أن يكون قطعها من المفاصل، فإذا أراد أن يقطع اليد ابتدأ بمفصل الكتف، ثم ينتقل بعد ذلك إلى مفصل الساق، وهكذا، ولا يكسر العظم.

وهذا مبني على حديث عائشة رضي الله عنها وأرضاها، والعلماء رحمهم الله يستحبون هذا من باب الفأل؛ لأن هناك ما هو فأل، وهناك ما هو تطير وتشاؤم، والفأل مشروع، والتشاؤم محرم، ولذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الطيرة وقال: (لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر)، فهو إذا نزعها جدولاً كأنه يتفاءل بسلامة الولد، والفأل كما ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم يحبه الله، والسبب في ذلك الفأل: أن تحسن الظن بالله عز وجل، فربما تكون في هم أو غم أو كرب، فإذا بك تسمع إنساناً يقرأ: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} [الشرح:١]، أو تسمع قارئاً يقرأ: {رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي} [طه:٢٥ - ٢٦] فتتفاءل أن الأمر سيكون إلى خير.

فإن كنت تخشى على شيء أن يصيبه ضرر فتسمع رجلاً ينادي رجلاً ويقول: يا صالح، فتتفاءل أن الله سيصلح لك ذلك الأمر، أو تكون في حالة تسمع رجلاً يقول كلمة تتناسب مع حالك مما هو خير، فهذا أمر مشروع؛ لأنه من حسن الظن بالله عز وجل، وقد جاء في الحديث كما في مسند أحمد وغيره -وأصله في الصحيحين- أن الله تعالى يقول: (أنا عند حسن ظن عبدي بي)، لكن هناك زيادة في المسند: (فمن ظن بي خيراً كان له، ومن ظن بي شراً كان له)، فقوله: (فمن ظن بي خيراً)، أي: تفاءل الخير، فإذا كنت تريد أن تخرج في سفر وسمعت رجلاً ينادي رجلاً بيسر أو سهل، فتحس بالسهالة، ولذلك ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم في قصة الحديبية لما أرسلت قريش من يتفاوض معه وكان ثالثهم سهيل بن عمرو قال: من؟ قالوا: سهيل بن عمرو، قال: (قد سهل أمركم) فتفاءل عليه الصلاة والسلام، وكان ما كان.

وقد ذكر الإمام ابن القيم قصة عجيبة في هذا: وذلك أنه فقد أحد أولاده في موسم الحج، قال: فما زلت أسأل الله أن أدركه -ومعلوم كثرة الناس في الحج- قال: فإذا بي أطوف في البيت طواف الإفاضة -يوم النحر- وأنا أدعو الله أن يبلغني رؤية ولدي؛ فسمعت رجلاً يصيح بكلمة من الفأل فتفاءلت، فلم أدر أيهما أسرع صوت الولد وهو يصيح أم انتهاؤه من كلمته؟! فقد تفاءل بها خيراً، وأحسن الظن بالله، فإذا بولده يصيح، ولا شك أن هذا يزيد الإيمان؛ لأنه يحسن العقيدة في الله، بخلاف التشاؤم، فإنه -والعياذ بالله- يصرف العبد عن الله عز وجل، فتجده إذا أراد أن يخرج لعمل فرأى مشلولاً، أو ذا عاهة؛ تشاءم من ذلك اليوم وتطير منه، وإذا فتح باب دكانه للتجارة فجاءه إنسان مريض أو به عاهة؛ تشاءم وتطير، وقال: هذا يوم نحس، أو نحو ذلك، وهذا لا يجوز، وهو أمر محرم، وفيه شرك أصغر إذا اعتقد تأثير هذه الأشياء، وربما يصل به إلى الشرك الأكبر -والعياذ بالله- كما في حال ظن الغيب بزجر الطيور ونحوها، نسأل الله السلامة والعافية.

إذاً: فنزع الكتف والمفاصل من الشاة من باب الفأل، ولا بأس به؛ لأن المقصود من العباد أن يخلصوا العبادة لله جل جلاله، ويوحِّدوا الله عز وجل، والله سبحانه وتعالى إن أحسنت به الظن كان لك حسن الظن وفوقه مما لم يخطر لك على بال، فإذا أحسنت الظن بالله عز وجل فإن الله يلقيك من رحمته وفضله وإحسانه فوق ما ترجو وتأمل، ولذلك ينبغي للمسلم أن يتفاءل بالخير، وأن يحسن الظن بالله سبحانه وتعالى، فإن هذا من هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ثم قال رحمه الله: [ولا يكسر عظمها، وحكمها كالأضحية].

قوله: (وحكمها كالأضحية)، أي: من حيث السن، فإنه يختارها بالسن المعروف في الأضحية، فلا يجزئ ما كان دون الثني، ويجوز أن يعق بالجذع من الضأن، وقد فصلنا هذه المسائل وبيناها في باب الأضحية، فإذا أراد أن يعق عن ابنه أو ابنته فإنه ينبغي أن يكون في الشاة التي تذبح شروط: أولاً: أن تكون بالسن المعتبرة.

ثانياً: أن تكون سالمة من العيوب، فلا يذبحها إذا كانت معيبة، ولا تجزئ المعيبة، وذلك على التفصيل الذي ذكرناه في الأضحية.

ثالثاً: أن لا تسبق العقيقةُ السبب، فالسبب هو الولادة، فلو ذبح العقيقة قبل الولادة لم يجزئ، كما لو ذبح الأضحية قبل صلاة يوم النحر فإنها لا تجزئ، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (من ذبح قبل الصلاة فليذبح أخرى مكانها، ومن لم يذبح فليذبح باسم الله)، فتتأقت العقيقة بالسبب، فلا يُذبح قبلها، كما لو قال له الأطباء: سيأتيك ذكر، فذبح قبل ولادته شاتين، أو قال: سأذبح هاتين الشاتين، فإن كان ذكراً فهما عنه، وإن كانت أنثى فالثانية صدقة؛ فإن ذلك لا يجزئه، فلابد أن يكون الذبح بعد الولادة.

<<  <  ج:
ص:  >  >>